تلك السنين يسبب الاختلاف، فلو وصلتنا الأُصول الأربعمائة أو الجوامع الأوّلية لقل الخطأ والاشتباه، والمشايخ العظام وإن كانوا ملتزمين بسماع الحديث من شيخ إلى شيخ حتى يصل إلى المؤلف ومع ذلك فتداول الحديث من مصدر إلى مصدر يورث الاختلاف، وهو الذي يسبب حصول التعارض بين الروايات.

وبكلمة قصيرة: نحن لا نبخس حقوق علمائنا الأقدمين فإنّهم لم يألوا جهداً في نقل الحديث صحيحاً وإتقانه ومع ذلك فالإنسان محل السهو والنسيان.

8. التقية

إنّ للتقية دوراً بارزاً في طروء التعارض بين الروايات، ولكن يجب تحليل التقية بصورة منطقية تتناسب مع تاريخ أهل البيت(عليهم السلام)، وهو أنّ أهل البيت(عليهم السلام) كان لهم مكانة هامّة في المجتمع خاصّة بعد واقعة كربلاء حيث توجّهت إليهم العواطف، ولذا نرى أنّ علي بن الحسين(عليه السلام) عندما يدخل المسجد الحرام ينكشف الناس عن الحجر الأسود حتى يستلمه إجلالاً وتعظيماً له(عليه السلام)، وبعده للإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام) حيث كان الفقهاء وعلى رأسهم مالك فقيه المدينة وأبو حنيفة فقيه العراق وغيرهما كابن أبي ليلى وابن شبرمة يسألونهم عن مشاكلهم الفقهية بمرأى ومسمع من الناس، ولأجل حضور الإمامين(عليهما السلام) في مواسم الحج قلّت الاختلافات الفقهية بين المذاهب في مسائل الحج، ويشهد على ذلك الروايات التي ذكرناها في مقدّمة كتاب الحج.