responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الرسائل الأربع( قواعد أصولية وفقهية) - تقريرات نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر    جلد : 3  صفحه : 144

2- باب وجوب الرّجوع في القضاء و الفتوى إلى رواة الحديث من الشّيعة فيما رووه عن الأئمة (عليهم السلام) من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم ( [1]).

أقول: إنّ النّاظر في روايات البابين لا يجد رواية تدلّ على بطلان تقليد العاميّ لفقهاء الدّين الّذين يفتون على طبق الكتاب و السنّة و العقل فيما للعقل مجال الحكم، و الرّوايات الواردة فيها ناظرة إلى فقهاء العامّة الّذين كانوا يفتون على طبق ضوابط ما أنزل اللّه بها من سلطان كالقياس و الاستقراء النّاقص و الاستحسان، و الرّجوع إلى من باع آخرته بدنياه، فأين هذه الرّوايات من فتوى علماء الشّيعة النّابعة عن الكتاب و السنّة و الأدلّة التي قام الدّليل القطعيّ على حجيتها.

و أظنّ أنّ الشيخ الحرّ العامليّ تأثر من محيطه و بيئته اللّتين كان يعيش فيهما، حيث كانت الفكرة الأخباريّة سائدة في زمانه، فقد توفّي عام (1104 ه-) و عاش في عصر المجلسيّين الأوّل و الثاني رحمهم اللّه. و كان رفض الاجتهاد و ذمّ التقليد شعاراً لأكثر فضلاء تلك الدّورة إلى أن جاء المحقق البهبهانيّ ( [2]) فخدم الأُمّة


[1] الوسائل: 18/ 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي.

[2] قاوم الاخباريّون أو المحدّثون دور العقل في مختلف الميادين ودعوا إلى الاقتصار على البيان الشّرعيّ فقط، لأنّ العقل عرضة للخطأ، و تاريخ الفكر العقليّ زاخر بالأخطاء، فلا يصلح لكي يستعمل أداة إثبات في أيّ مجال من المجالات الدينيّة. و يرجع تاريخ هذا الاتّجاه إلى أوائل القرن الحادي عشر، فقد أعلنه و دعا إليه شخص كان يسكن وقتئذ في المدينة باسم «الميرزا محمّد أمين الاسترآباديّ» المتوفّى سنة 1023 ه-، و وضع كتاباً أسماه: «الفوائد المدنيّة» بلور فيه هذا الاتّجاه و برهن عليه و جعله مذهباً.

و في عقيدة المحدّث الاسترآباديّ أنّ العلم البشريّ الذي يستمد قضاياه من الحسّ هو وحده الجدير بالثّقة و كذلك الرّياضيّات التي تستمدّ خيوطها الأساسيّة- في زعمه- من الحسّ.

و في ضوء ذلك نلاحظ التقاءً فكريّاً بين الحركة الفكريّة الاخباريّة و المذاهب الحسيّة و التجريبيّة في الفلسفة الأوروبيّة، فقد شنّت جميعاً حملة كبيرة ضدّ العقل، و ألغت قيمة أحكامه إذا لم يستمدّها من الحسّ. إلّا أنّ ذلك لم يؤدّ بالتفكير الأخباريّ إلى الإلحاد كما أدّى بالفلسفات الحسيّة الأوروبيّة، لاختلافهما في الظّروف التي ساعدت على نشوء كلّ منهما، فإنّ الاتجاهات الحسيّة و التجريبيّة في نظريّة المعرفة قد تكوّنت في فجر العصر العلميّ الحديث لخدمة التجربة و إبراز أهميّتها، فكان لديها الاستعداد لنفي كلّ معرفة عقليّة منفصلة عن الحسّ. و أمّا الحركة الأخباريّة فكانت ذات دوافع دينيّة، و قد اتّهمت العقل لحساب الشرع لا لحساب التجربة، فلم يكن من الممكن أن تؤدّي مقاومتها للعقل إلى إنكار الشريعة و الدّين.

و لهذا كانت الحركة الاخباريّة تستبطن- في رأي كثير من ناقديها- تناقضاً، لأنّها شجبت العقل من ناحية لكي تخلّي ميدان التّشريع و الفقه للبيان الشرعيّ، و ظلّت من ناحية أُخرى متمسّكة به لإثبات عقائدها الدينيّة، لأنّ إثبات الصّانع و الدّين لا يمكن أن يكون عن طريق البيان الشرعيّ، بل يجب أن يكون عن طريق العقل.

و من العلماء الّذين نهجوا هذا المنهج تقريباً «السيّد نعمة اللّه الجزائري» و «الشيخ يوسف البحراني» و هذا كانت له طريقة معتدلة و لم يكن بتلك الحدّة التي كان عليها الاسترآباديّ، و مثلهما «ملّا محسن الفيض الكاشاني» و «الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ» و كلّ هؤلاء من علماء الشيعة و مفاخرهم لكنّهم نهجوا في الفقه ذلك المنهج و لم يكونوا في تلك الشدّة التي كان عليها الاسترآباديّ.

و استمرّت هذه الفكرة حتى القرن الثّالث عشر فوصلت إلى ذروتها، و لكنّها أخذت تنهار بعد أن وقف أمامها المحقّق محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف ب- «الوحيد البهبهانيّ» و قد ولد في اصفهان سنة (1118 ه-) و يقول الخوانساريّ في حقّ البهبهانيّ:

«كان مروّج رأس المائة الثالثة عشرة من الهجرة المقدّسة، ارتفعت بميامن تأييداته المتينة أغبرة آراء الأخباريّة، كما أنّه انطمست آثار البدع من جماعة الملاحدة و الغلاة و الصّوفيّة.

و قد سمّي ب- «آية اللّه تعالى من غاية الكرامة له، كما سمّي من قبله العلّامة ب- «آية اللّه». (روضات الجنات: 2/ 94).

و يقول أيضاً: «قد كانت بلدان العراق سيّما المشهدين الشّريفين مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريّين، بل و من جاهليهم و القاصرين حتّى إنّ الرّجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا حمله مع منديل، و قد أخلى اللّه البلاد منهم ببركة قدومه و اهتدى المتحيّرة في الأحكام بأنوار علومه» (روضات الجنات: 2/ 94).

توفيّ المحقّق البهبهاني عام (1206 ه-) و دفن في الرّواق المطهّر الحسينيّ (عليه السلام) قريباً ممّا يلي أرجل الشّهداء. (ترجم في روضات الجنات: 2/ 94). راجع المعالم الجديدة للأُصول- الشّهيد السيّد الصدر: 42- 45 و علم الأُصول تاريخاً و تطوّراً: 168- 174.

نام کتاب : الرسائل الأربع( قواعد أصولية وفقهية) - تقريرات نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر    جلد : 3  صفحه : 144
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست