طلب الدعاء منه لا غیر. فلو أنّ أعرابیاً جاء إلی مسجده فطلب منه أن یستغفر له، فقد طلب منه الشفاعة عند اللَّه. و لو جاء ذاک الرجل بعد رحیله، و قال له: یا أیّها النبی، استغفر لی عند اللَّه. أو قال: اشفع لی عند اللَّه، فالجمیع بمعنی واحدٍ لبّاً و حقیقةً، و إنّما یختلفانصورةً و ظاهراً. فالإذعان بصحة أحدِهما، و الشک فیصحة الآخر کالتفکیک بین المتلازمین. نعم، هناک سؤالٌ یطرح نفسَه و هو أنّه إذا کان النبیصلی الله علیه و آله حیّاً یُرزَق فی هذه الدنیا و یسمع کلام السائل، فلا فرق بین طلب الدعاء و طلب الشفاعة. و أمّا بعد رحیله و انتقاله إلی رحمة اللَّه الواسعة، فلا یسمع کلام السائل، بأیّصفة خاطبَه و کلَّمه سواء أ قال: استغفر لی، أم قال: اشفع لی. و الإجابة واضحة، لأنّ الکلام مرکَّزٌ فی تبیین معنی طلب الشفاعة منه حیّاً و میّتاً و أنّ حقیقته أمرٌ واحدٌ بجمیعصوره، و أمّا أنّه یسمع أو لا یسمع، أو أنّ الدعوة تنفع أو لا تنفع، فهو أمرٌ نرجع إلیه بعد الفراغ منصمیم البحث. و لإیضاح الأمر نورد بعض النصوص من المفسّرین فی تفسیر الشفاعة: قال الإمام الرازی فی تفسیر قوله سبحانه: «الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ» [1] إنّ الآیة تدلّ علی حصول الشفاعة للمذنبین، و الاستغفار طلب المغفرة، و المغفرة لا تُذْکر إلّا فی إسقاط العقاب، أمّا طلب النفع الزائد فإنّه لا یسمّی استغفاراً. و قوله تعالی: «وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا» یدلّ علی أنّهم یستغفرون لکل