نيّته عن ملكه ففي خروجه عنه وجهان:
أحدهما:- وهو الذي اختاره المصنّف رحمه الله والأكثر- عدمه؛ لأنّ الملك وزواله يتوقّف على أسباب شرعية، فلا يحصل بمجرّد الإرادة، والإعراض عن الملك لم يثبت شرعاً أنّه من الأسباب الناقلة عنه.
والقول بخروجه بذلك عن ملكه للشيخ في المبسوط ... والأصحّ الأوّل ...
وعلى القول بعدمه هل يكون نيّة رفع ملكه عنه أو تصريحه بإباحته موجباً لإباحة أخذ غيره له؟ وجهان:
أحدهما: العدم؛ لبقاء الملك المانع من تصرّف الغير فيه.
وأصحّهما: إباحته لغيره؛ لوجود المقتضي له وهو إذن المالك فيه، وهو كافٍ في إباحة ما يأذن في التصرّف فيه من أمواله، فلا ضمان على من أكله، ولكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه موجودة كنثار العرس، وكما لو وقع منه شيء حقير ككسرة خبز فأهمله، فإنّه يكون مبيحاً له؛ لأنّ القرائن الظاهرة كافية في الإباحة، ويوضحه ما يؤثر عن الصالحين من التقاط السنابل لذلك.
وأمّا الاستدلال بهذا على خروج الصيد عن ملكه مطلقاً فليس بجيّد؛ لأنّ إهمال الحقير إنّما يفيد الإباحة كما يقتضيه كلام المصنّف وغيره، فكيف يجعل دليلًا على زوال الملك؟!
بل ولو سلّم زوال الملك في هذا الشيء الحقير لا يلزم مثله في الصيد المتضمّن للمالية المعتدّ بها غالباً، وتحصيله مقصود للكثير والحقير، بخلاف ما يلقى من الحقير فلا يلزم من زوال الملك عنه زواله عن الخطير.
وإلى هذا أشار المصنّف رحمه الله بقوله: ولعلّ بين الحالين فرقاً» [1].
لكنّ فقهاء آخرين وإن التزموا ببقاء المال المعرض عنه على ملك صاحبه، ولم يجعلوا الإعراض عنه مخرجاً له عن الملكية إلى الإباحة المطلقة، لكنّهم التزموا بانتقال ملكه إلى الغير بإثبات يده عليه مع بقاء صاحبه على الإعراض عنه، فهم
[1] المسالك 11: 524، 525- 526.