نعم، مرّ في الآيتين (33 و 34) في حدّ المحارب و المفسدين في إبل الصدقة أنّ ذلك يقتضي وقوعه في المدينة، فإن صحّ كان ذلك مما يدعم عدم اتّحاد سياق الآيات في السورة [1] .
و الآيات العشر التالية من (57) الى (66) ذات سياق واحد يقصد به بيان وظيفة المؤمنين في علاقاتهم مع غيرهم من أهل الكتاب اليهود و النصارى، فتنهاهم عن اتّخاذ المستهزئين باللّه و آياته من أهل الكتاب و الكفّار أولياء، و تعد أمورا من مساوئ صفاتهم و نقضهم مواثيقهم مع ربّهم و عهودهم، و ما يلحق بذلك مما يناسب غرض سورة المائدة من الترغيب في حفظ العقود و العهود، و الترهيب عن نقضها.
و من الاحتمال الراجح أن يكون لبعض أجزائها أسباب مستقلّة نزولا، و قد رووا بالفعل لها أسبابا، إلاّ أنّها لا تلائم الموقع المكاني و الزماني لنزول المائدة بعد حجة الوداع.
أما الآية (67) فهي المعروفة بآية التبليغ: يََا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ وَ اَللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنََّاسِ إِنَّ اَللََّهَ لاََ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكََافِرِينَ فقد سبق القول المفصّل عنها و أخبارها في حديث الغدير، و بناء على ذلك لا يبقى ريب في أنّ الآية لا تشارك الآيات السابقة و اللاحقة لها في سياقها، و لا تتصل بها في سردها، و إنّما هي آية مفردة عنها [2] .
و الآيات بعدها الى (86) تعود جارية على سياق الآيات السابقة من أوائل السورة الى هنا، فإنّها يجمعها أنّها كلام في أهل الكتاب خطابا و عتابا [3] .