أنا أفعل ، وأنا هذا أفعل ، في موضع : ها أنا ذا أفعل ، وحدّث يونس [١] : هذا أنت تقول كذا ؛
واعلم أنه ليس
المراد بقولك : ها أنذا أفعل : أن تعرّف المخاطب نفسك وأن تعلمه أنك لست غيرك ،
لأن هذا محال ، بل المعنى فيه وفي : ها أنت ذا تقول وها هو ذا يفعل : استغراب وقوع
مضمون الفعل المذكور بعد اسم الإشارة من المتكلم أو المخاطب أو الغائب ، كأنّ معنى
: ها أنت ذا تقول ، وها أنت ذا يضربك زيد : أنت هذا الذي أرى لا من كنا نتوقع منه
ألّا يقع منه أو عليه مثل هذا الغريب ، ثم بينت بقولك : تقول ، وقولك : يضربك زيد
: الذي استغربته ولم تتوقعه ، قال الله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ
تُحِبُّونَهُمْ)[٢] ، فالجملة بعد اسم الإشارة لازمة ، لبيان الحالة
المستغربة ، ولا محلّ لها ، إذ هي مستأنفة ؛
وقال البصريون
هي في محل النصب على الحال ، أي : ها أنت ذا قائلا ، قالوا : والحال ههنا لازمة ،
لأن الفائدة معقودة بها ، والعامل فيها حرف التنبيه ، أو اسم الإشارة ؛
ولا أرى للحال
فيه معنى ، إذ ليس المراد : أنت المشار إليه في حال قولك ؛
وجوّز بعضهم أن
تكون «ها» المقدّمة في نحو : ها أنت ذا تفعل : غير منوي دخولها على «ذا» ،
استدلالا بقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ
...)[٣] ولو كانت هي التي كانت مع اسم الإشارة ، لم تعد بعد «أنتم»
؛
ويجوز أن يعتذر
للخليل بأن تلك الإعادة للبعد بينهما ، كما أعيد : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) لبعد قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ)[٤] ؛ وأيضا قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، دليل على أن المقصود في (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) هو الذي كان مع اسم الإشارة ، ولو كان في
[١] نقله عنه سيبويه
في الموضع السابق : ج ١ ص ٣٧٩ ؛