اعلم أن واو
القسم لها ثلاثة شروط : أحدها حذف فعل القسم معها فلا يقال : أقسم والله ، وذلك
لكثرة استعمالها في القسم ، فهي أكثر استعمالا من أصلها ، أي الباء ، والثاني :
ألّا تستعمل في قسم السؤال. فلا يقال : والله أخبرني ، كما يقال : بالله أخبرني ،
والثالث : أنها لا تدخل على الضمير فلا يقال : وك ، كما يقال : بك ؛ واختصاصها
بالحكمين الأخيرين ، لكونها فرع الباء وبدلا منها ، وإنما حكم بأصالتها لأن أصلها
الإلصاق ، فهي تلصق فعل القسم بالمقسم به ؛ وأبدلت الواو منها لأن بينهما تناسبا
لفظيا لكونهما شفهيتين ، ومعنويا ، ألا ترى أن في واو العطف وواو الصّرف [١] معنى الجمعية القريبة من معنى الإلصاق ؛
والتاء مبدل من
الواو ، كما في وراث وتراث ، ووكلة ونكلة ، واتّعد ، فلهذا قصرت عن الواو فلم تدخل
إلا على لفظة «الله» وفيها الخصائص الثلاثة التي كانت في الواو ؛ وحكى الأخفش :
تربّي ، و : تربّ الكعبة وهو شاذ ؛
ولام الجرّ
تجيء بمعنى الواو كما ذكرنا ، مختصة ، أيضا ، بلفظ «الله» في الأمور العظام ؛ وكذا
«من» مكسورة الميم ، وقد تضمّ [٢] ، والكسر أكثر ، مختصة بلفظ «ربّي» ؛ ومذهب سيبويه ،
كما ذكرنا ، أنها حرف جر ، قامت مقام الباء ، وضم الميم لدلالة تغير معناها
وخروجها عن بابها ؛ كما تقول في العلم : شمس بن مالك [٣] ، بضم الشين ؛
ومذهب بعض
الكوفيين : أن المضمومة الميم مقصورة [٤] من أيمن ، والمكسورتها مقصورة من يمين ؛
[١] هي التي يسمونها
واو المعية ، والرضي يقول في بعض الأوقات : واو الجمعية ؛ ومعنى تسميتها واو
الصّرف وهي تسمية الكوفيين أنها تصرف ما بعدها عن مشاركة ما قبلها نظرا إلى أصل
معنى الواو الذي هو الجمع ؛
[٢] أي الميم ، وقد
ذكر الرضي هذا الكلام أثناء الحديث عن معاني من الجارّة ؛
[٣] تقدم في الممنوع
من الصرف في الجزء الأول ، أنه جزء من بيت شعر قاله ثابت بن جابر ، تأبط شرا ، في
صديق له. وهو قوله :