قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى) في تفسير الآية: 126 من البقرة بعد نقله لخطبة رسول الله ((صلى الله عليه و آله)) يوم فتح مكة:" إن الله حرم مكة يوم خلق السموات و الأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد من بعدي، و لم تحل لي إلا ساعة من النهار"(1)فهذا الخبر و أمثاله المشهورة في روايات أصحابنا تدل على أن الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم ((عليه السلام))، و إنما تأكدت حرمته بدعائه ((عليه السلام)) و قيل: إنما صار حرما بدعائه ((عليه السلام))، و قبل ذلك كان كسائر البلاد، و استدل عليه بقول النبي ((صلى الله عليه و آله)):" إن إبراهيم حرم مكة، و إني حرمت المدينة" و قيل: كانت مكة حراما قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة.

فالأول بمنع الله إياها من الاصطلام و الائتفاك كما لحق ذلك غيرها من البلاد و بما جعل ذلك في النفوس من تعظيمها و الهيبة لها.

و الثاني بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل... الخ‌(2). أقول: يمكن أن يستدل على أن الحرمة كانت قبل دعوة إبراهيم ((عليه السلام))، و إنما أكدها إبراهيم ((عليه السلام)) بدعائه بقوله تعالى حاكيا عن إبراهيم ((عليه السلام)) حين أسكن إسماعيل و أمه في مكة قبل أن يبني الكعبة: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ.

(1) مجمع البيان 206: 1 و اليعقوبي 50: 2 و البداية و النهاية 304: 4 و الحلبية 118: 3 و دحلان هامش الحلبية 336: 2 و مدينة البلاغة 72: 1 و المغازي للواقدي 836: 2 و تأريخ الخميس 90: 2 و جامع أحاديث الشيعة 102: 10 عن ابن أبي عمير و سعيد الأعرج و كليب الأسدي و بشير النبال عن أبي عبد الله الصادق ((عليه السلام)) بأسانيد متعددة و زاد المعاد 166: 2 و الدر المنثور 122: 1 عن جمع كثير) و القرطبي 118: 2 و الطبري 425: 1 و أحكام القرآن للجصاص 306: 2 و ابن أبي الحديد 281: 17 (و في ط مصر 212: 4 و البخاري 194: 5 و 127: 4 و مسند أحمد 259: 1 و ابن ماجة 1038: 2 و التاج.

172: 2 و الفتح الرباني 242: 23 و زاد المعاد 185: 2 و شرح الزرقاني للمواهب اللدنية 327: 2 و راجع الطبقات 2/ ق 99: 1 و الفتوح للبلاذري: 57 نقل الذيل) و كذا في معجم البلدان 183: 5 ..

(2) أشار إلى هذا الجمع القرطبي 118: 1 و راجع الطبري 425: 1 و الرازي 54: 4 و 55 و شرح ابن القيم هذه الخطبة الشريفة في زاد المعاد 185: 2 و ما بعدها و شرح الزرقاني للمواهب اللدنية 327: 2.