نام کتاب : شرح نهج البلاغة نویسنده : ابن ابي الحديد جلد : 6 صفحه : 366
و صار عزيزا ملكا لا سلطان عليه لنفسه و لا لغيره فاستراح من الذل و الهوان و لم يبق لنفسه شيء تشتاق إليه بعد الموت فكان أقرب إلى السلامة و النجاة من العابد الغني الموسر .
و أما العارف فإنه بالحال التي وصفناها و يستلزم مع وجودها أن يكون زاهدا لأنه لا يتصور العرفان مع تعلق النفس بملاذ الدنيا و شهواتها نعم قد يحصل بعض العرفان لبعض العلماء الفضلاء مع تعلقهم بشهوات الدنيا و لكنهم لا يكونون كاملين في أحوالهم و إنما تحصل الحالة الكاملة لمن رفض الدنيا و تخلى عنها و تستلزم الحالة المذكورة أيضا أن يكون عابدا عبادة ما و ليس يشترط في حصول حال العرفان أن يكون على قدم عظيمة من العبادة بل الإكثار من العبادة حجاب كما قيل و لكن لا بد من القيام بالفرائض و شيء يسير من النوافل .
و اعلم أن العارف هو العارف بالله تعالى و صفاته و ملائكته و رسله و كتبه و بالحكمة المودعة في نظام العالم لا سيما الأفلاك و الكواكب و تركيب طبقات العناصر و الأحكام و في تركيب الأبدان الإنسانية .
فمن حصل له ذلك فهو العارف و إن [1] لم يحصل له ذلك فهو ناقص العرفان و إن انضم إلى ذلك استشعاره جلال الله تعالى و عظمته و رياضة النفس و المجاهدة و الصبر و الرضا و التوكل فقد ارتفع طبقة أخرى فإن حصل له بعد ذلك الحب و الوجد فقد ارتفع طبقة أخرى فإن حصل له بعد ذلك الإعراض عن كل شيء سوى الله و أن يصير مسلوبا عن الموجودات كلها فلا يشعر إلا بنفسه و بالله تعالى فقد ارتفع طبقة أخرى و هي أرفع طبقات .