و هذا يعرفنا أن الخلفاء- أمويّين كانوا أم عباسيين- يشتركون في نقطة واحدة و هي حمايتهم لفقه الشيخين، و ترك فقه عليّ بن أبي طالب و ابن عباس، أي أخذهم بسيرة الشيخين و إن خالفت السنة النبوية، و بمعنى آخر أخذهم باجتهاداتهم المقابلة للنص بجنب مرويّاتهم عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و إذا اتضحت لك آفاق السياسة الحاكمة في لزوم الأخذ بفقه ابن عمر و إن خالف عليا و ابن عبّاس نقول:
إن ابن عمر و إن خالف أباه في مفردات فقهية كثيرة، و دعا إلى سنّة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و ترك كلام أبيه المخالف لسنة رسول اللّٰه، لكنّه في الوقت نفسه كان قد دافع عن خلافة معاوية و يزيد و بقية الخلفاء الأمويّين، و سنّ أصولا كان لهم الاستفادة منها كقاعدة (من غلب) و لزوم اتباع الحاكم و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك و ..
فالنهج الحاكم و إن كان يريد تشريع ما سنّه الشيخان و إبعاد من عارضهم في اجتهاداتهم، لكنه كان يتخوف ممن لا يتّفق معهم في أصول الخلافة و الإمامة أيضا، و أما الذين يذهبون إلى ما يذهب إليه الخلفاء فلا مانع من نقل كلامه- الذي يخدمهم في الغالب- و خصوصا لما رأوا في ابن عمر من مؤهلات يمكن الاستفادة منها.
و هكذا الحال بالنسبة إلى الخلافة العباسية، فقد دعت إلى الأخذ بفقه ابن عمر مع أنّه كان مدافعا عن الأمويّين في السابق، و ذلك لوحدة النهج و الفكر بينهم، و إن كان إثبات هذا المدعى يحتاج إلى مزيد بيان ليس هنا محل بحثه.
كانت هذه مؤشّرات صريحة وضّحت لنا بأنّ التشريع قد امتزج بالسياسة بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و أخذ طابعا خاصا، و أنّ الملك و السلطان كان له أعظم التأثير في ترسيخ بعض المفاهيم و الأفكار الشائعة اليوم، ثمّ اشتداد هذا الأمر في العصور اللاحقة.
و لو طالع الباحث في سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفي مثلا لعرف اتجاه الحجّاج