أُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَنِي، فَقَدْ تَبَارَكْتُ بِكَ، وَ رَأَيْتُ مِنْكَ مَا أُحِبُّ، وَ أَنَا مَنْ عَرَفْتَ شَرَفِي وَ حَسَبِي وَ نَسَبِي وَ مَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي وَ سِيَادَتِي فِي النَّاسِ، وَ كَثِيرٌ لَا يَنَالُونَ تَزْوِيجِي، وَ قَدْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَيْكَ.
فَقَالَ لَهَا: رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أَ وَ تَفْعَلِينَ ذَلِكِ؟
فَقَالَتْ: مَا قُلْتُ إِلَّا مَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ فَقَالَ لَهَا: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ عَمِّي، وَ أُخْبِرَكِ مَا يَكُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَ انْطَلَقَ إِلَى عَمِّهِ فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَتْ خَدِيجَةُ، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا مِنْ قَوْمٍ كِرَامٍ فَتَزَوَّجْهَا، وَ لَا تُخَالِفْهَا فَإِنَّهَا فَائِقَةٌ فِي الْحَسَبِ وَ النَّسَبِ وَ الشَّرَفِ وَ الْمَالِ، وَ هِيَ رَغْبَةٌ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا، فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا وَ أَخْبَرَهَا بِمَا قَالَهُ عَمُّهُ، فَقَالَتْ: إِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَ كَذَا، فَأَقْبِلْ: فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْمَعْلُومُ أَقْبَلَ ابْنُ عَمِّهَا وَ أَهْلُهَا، وَ تَهَيَّأَتْ خَدِيجَةُ لِمَا أَرَادَتْ وَ نَحَرَتِ الْبُدْنَ، وَ اتَّخَذَتْ طَعَاماً كَثِيراً.
وَ أَقْبَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ عَمُّهُ وَ بَنُو عَمِّهِ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً، وَ أَرْسَلَتْ خَدِيجَةُ إِلَى عَمِّهَا وَ أَهْلِ بَيْتِهَا فَدَعَتْهُمْ وَ لَمْ يَعْلَمِ الْفَرِيقَانِ إِلَى مَا دُعُوا فَأَطْعَمَتِ الْقَوْمَ الطَّعَامَ وَ نَحَرَتِ الْبُدْنَ عَلَى الْجِبَالِ وَ الشِّعَابِ وَ الْأَوْدِيَةِ بِمَكَّةَ وَ جَعَلَتْهَا قِرًى لِلنَّاسِ وَ الطَّيْرِ وَ السِّبَاعِ وَ الْهَوَامِّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَ أَمَرَتْ بِسَقْيِ الْقَوْمِ، فَلَمَّا شَرِبُوا وَ أَخَذُوا فِي حَدَثِهِمْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ لِعَمِّهَا: إِنَّكَ فِي الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مِنْ قَوْمِكَ، وَ أَنْتَ الْكُفْؤُ الْكَرِيمُ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَدُ أَخِي وَ هُوَ لَا يُجْهَلُ حَسَبُهُ وَ لَا يُنْكَرُ نَسَبُهُ، وَ قَدْ أَتَاكَ خَاطِباً خَدِيجَةَ ابْنَةَ خُوَيْلِدٍ، وَ هُوَ مِمَّنْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَمْرَهُ وَ حَالَهُ.
فَقَالَ عَمُّهَا: يَا أَبَا طَالِبٍ، خَدِيجَةُ مَالِكَةٌ نَفْسَهَا، وَ أَمْرُهَا إِلَيْهَا، فَأُرْسِلُ إِلَيْهَا وَ أَسْتَأْذِنُهَا.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا عَمُّهَا يَسْتَأْمِرُهَا، فَقَالَتْ: يَا عَمِّ زَوِّجْهُ فَإِنَّهُ بِالنَّسَبِ الثَّاقِبِ وَ الْفَرْعِ الْبَاسِقِ، وَ لَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرَدُّ فَزَوَّجَهُ عَمُّهَا فِي مَجْلِسِهِ،