وَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَخَرَجُوا قَرِيرَةً أَعْيُنُهُمْ بِمَجْلِسِهِمْ، وَ مَا كَانَ مِنْ خَدِيجَةَ فِي تَزْوِيجِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وَ ذَلِكَ أَنَّهَا خُطِبَتْ مِنْ أَكَابِرِ قُرَيْشٍ وَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا فَلَمَّا خَرَجُوا احْتَبَسَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، عِنْدَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ مَا نِحْلَتُكَ؟
قَالَ: الْبَكْرُ وَ الْحِقَّةُ، وَ هُمَا نِحْلَةٌ، مِنِّي إِلَيْكِ، وَ مَا أَضْعَفْتِ لِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الرِّزْقِ فَهُوَ فِي بَيْتِكِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا، فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْتُهُ وَ قَبَضْتُهُ، فَادْخُلْ بِأَهْلِكَ مَتَى شِئْتَ، فَبَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَهُ مِنْ أَقَرِّ النَّاسِ عَيْناً وَ أَحَبِّهِمْ إِلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
وَ أَصْبَحُوا مِنْ غَدِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدِمَ بَعْضُ حُسَّادِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إِلَى عَمِّهَا وَ قَالُوا: زَوَّجْتَ بِنْتَ أَخِيكَ بِغُلَامٍ فَقِيرٍ قَلِيلِ الْمَالِ؟
فَأَقْبَلَ عَمُّهَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ نَادِماً، وَ قَدْ بَلَغَ أَبَا طَالِبٍ نَدَامَتُهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا إِنَّ الْمَالَ يَأْتِي وَ يَذْهَبُ، وَ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَرَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَ رِزْقاً حَسَناً وَاسِعاً، وَ قَدْ بَلَغَ خَدِيجَةَ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا وَ هُوَ نَادِمٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَمِّ لَا تَتَّهِمْنِي فِي نَفْسِكَ، مَا زَوَّجْتَهُ أَنْتَ، بَلِ اللَّهُ زَوَّجَهُ، فَهُوَ مِمَّنْ عَرَفْتَ شَرَفَهُ وَ كَرَمَهُ وَ أَمَانَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: نَعَمْ، صَدَقْتَ هُوَ كَمَا تَقُولِينَ وَ أَفْضَلُ، وَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ، قَالَتْ لَهُ: يَا عَمِّ إِنِّي مَا قَدِمْتُ إِلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ، وَ قَدْ رَأَيْتُ بِعَيْنِي مَا رَأَيْتُ، وَ رَأَى ذَلِكَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ مَعِي، قَالَ: مَا الَّذِي رَأَيْتَ وَ رَأَيْنَ؟ قَالَتْ: قَدْ أَقْبَلَ مِنْ تِجَارَتِيَ الَّتِي أَنْفَذْتُهُ بِهَا مُبَشِّراً بِالْأَرْبَاحِ الَّتِي رَزَقَنِيَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ وَ أَنَا جَالِسَةٌ، فِي الْمَنْظَرَةِ فَرَأَيْتُهُ مُقْبِلًا فَرْداً وَ عَلَى رَأْسِهِ غَمَامَةٌ تَسِيرُ بِمَسِيرِهِ، وَ تَقِفُ بِمَوْقِفِهِ، وَ تُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ، وَ رَأَيْنَا رِجَالًا بِأَجْنِحَةٍ لَا بِأَيْدٍ مِنْ حَوْلِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ يَسِيرُونَ بِمَسِيرِهِ وَ يَكْنُفُونَهُ وَ يُرَفْرِفُونَ عَلَيْهِ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ وَ التَّمْجِيدِ وَ التَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَهَذَا مَا رَأَيْتُ وَ نِسَاءَ قَوْمِي، وَ قُلْتُ لَهُنَّ: تَرَيْنَ هَذَا الرَّجُلَ الْكَرِيمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْعَظِيمَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ، الَّذِي أَظَلَّهُ بِالْغَمَامِ وَ حَفَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ؟ إِلَى أَنْ قَرُبَ مِنِّي فَتَبَيَّنْتُهُ فَرَأَيْتُهُ