يتوجه على ما أطال فيه الكلام بما يدل على انسلاخه عن فطرة
أولي الأحلام وجوه من الكلام و ضروب من الطعن و الملام
[نقل اختلاف علماء أهل
السنة في خصوص الإجماع]
أما أولا فلما مر من أن
الكلام في مطلق الإجماع خصوصا في دعوى انعقاده على خلافة أبي بكر و أفضليته طويل و
أنه لأهل السنة في تحقيقه فزع و عويل و لنقرر حاصله هاهنا بعبارة أخرى هي أضبط و
أحرى و هو أنهم أجمعوا على أن لا دليل لهم في المقامين سوى الإجماع و قد عرفوا
الإجماع في كتبهم كالمحصول للرازي و المنهاج للبيضاوي و المختصر لابن الحاجب و
غيرها بأنه اتفاق جميع أهل الحل و العقد يعني المجتهدين على أمر من الأمور في وقت
واحد و قد بحثوا فيه من وجوه أكثرها مذكور في شرح المختصر للقاضي عضد الإيجي
فقالوا هل الإجماع أمر ممكن أو محال و على تقدير الإمكان هل هو متحقق أو لا و على
تقدير التحقق هل يمكن العلم به أم لا و على تقدير العلم هل يمكن إثباته بالنقل أم
لا و على تقدير الإثبات هل يصير حجة و دليلا أم لا[1] و على تقدير صيرورته حجة إذا لم ينته
ثبوته إلى حد التواتر هل يصير حجة أم لا و قد وقع الخلاف من علماء أهل السنة في كل
من هذه المراتب فيجب إثبات كل ما وقع أحد طرفي الترديد في هذه المراتب حتى يثبت
حقية خلافة أبي بكر و أفضليته و ليت شعري إن من لم يكن قائلا بشيء من ذلك كيف
يدعي حقية إمامة أبي بكر و أفضليته قطعا أو ظنا ثم بعد ذلك يوجد خلاف آخر و هو أنه
هل يشترط في حجية الإجماع أن لا يبقى من الجماعة التي أجمعوا إلى ظهور المخالف و
أن لا يخالفهم أحد إلى موت
[1] و قال النووى فى باب نكاح المتعه من شرحه
لصحيح مسلم« اختلاف الاصوليون فى ان الاجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف و يصير
المسلة مجمعها عليها او لا و الاصح عند اصحابنا از لا يرفعه بل يدوم الخلاف و لا
يصير المسئلة بعد ذلك مجمعا عليها ابدا و به قال القاضى ابو بكر الباقلانى كذا منه
ره فى الحاشية.