بطلان القولين الأوّلين:

وعلى هذا يظهر بطلان القول الثاني القائل إنّ الحروف لا معاني لها(1)، وكذلك القول الأوّل القائل إنّ المعنى الحرفي والاسمي متّحدان بالذات مختلفان باللحاظ(2).

1) يظهر بطلان هذا القول ممّا تقدّم في القول الثالث، وهو أنّ حكمة الوضع تقتضي وضع الحروف لمعانٍ غير مستقلّة.

بل يتحتّم على صاحب هذا القول ألّا ينفي الوضع في الحروف بتاتاً؛ لأنّه يُثبت بأنّ الحرف يدلّ على خصوصيّة في الاسم الواقع بعده، وهذا يعني بأنّ الدالّ على «الابتداء» في قولك: سرت من البصرة، هو حرف »من«، فالدالّ هو حرف «من» والمدلول عليه هو «الابتداء»، والمدلول والمعنى والمفهوم شيء واحد[93]؛ فإذا أثبت صاحب هذا القول بأنّ حرف «من» يدلّ على خصوصيّة «الابتداء» فهو يثبت في الواقع وضع حرف «من» لـ«الابتداء»، وهذا هو معنى الوضع في الحروف.

2) يظهر بطلان هذا القول أيضاً ممّا تقدّم في القول الثالث، وهو أنّ الاختلاف بين معنى الاسم ومعنى الحرف اختلاف ذاتي؛ لأنّ حكمة الوضع تقتضي أن تُوضع الأسماء لمعانٍ مستقلّة، وتُوضع الحروف لمعانٍ غير مستقلّة، بخلاف ما اختاره صاحب الكفاية ; من وضع الأسماء والحروف لمعنى

[93] أجود التقريرات 1: 65، قوله: ولكن هذا القول لا يمكن المساعدة عليه...