إن قلتَ: إن لم ‌يکن مورد النزّاع موضوعًا لهذا الحکم الجزئي فلا أثر لحکم الحاکم، وإن کان موضوعًا له فالحکم ثابت من قِبَل الشارع، وليس شأن المجتهد حينئذٍ إلّا الإخبار فما معنى الإنشاء؟ لأنّ الحکم الثابت من قبل الشارع لا يقبل وجودًا آخر حتّى يوجد ثانيًا بإنشاء المجتهد.

قلتُ: إنّ المجتهد لا يحکم على عين الحکم الثابت من الشرع، بل يحکم على حکمٍ مماثلٍ له؛ فإذا لم ‌يکن الحکم الشرعيُّ ثابتًا في البين أصلًا في الواقع، فيُنشئ المجتهد حکمًا بتخيّل أنّ الشرع ـ أيضًا ـ قد حکم في هذا المقام، وإن کان الحکم الشرعي ثابتًا، فيُنشئ المجتهد حکمًا آخر مماثلًا له بإذن الشارع وإجازته؛ فيجتمع حينئذٍ حکمان:

[الأوّل:] حکم شرعيّ أنشأه الشارع بنحو الکبرى الکليّة المنحلّة إلى الأحکام العديدة؛ منها هذا الحکم الشخصيّ.

[والثاني:] وحکمٌ إنشائيٌّ من المجتهد مماثل لذاک الحکم، وقد أمضى الشارع هذا الحکمَ وأمر باتّباعه. وعلى کِلا التقديرين، إنّ الذي يجب إطاعته بمقتضى قوله: «والرَّادُّ عَلَيْه رَادٌّ عَلَيْنَا وَهُو عَلَى حَدِّ الشِّرکِ بِاللَهِ»[1]، إنّما هو حکمُ المجتهد؛ سواءً کان على طبقه حکمٌ شرعيٌّ في الواقع أم لم ‌يکن، ولا‌ يختصّ حکمه هذا بموارد المنازعات والخصومات، بل له إنشاء الحکم في کلّ مورد تخيّل حکمًا شرعيًّا جزئيًّا، ويجب اتّباعه لساير المجتهدين ما لم يقطعوا بخطَئه واشتباهه.

فله الحکم لمصالح نوعيّة عامّة؛ کحکمه بحرمة شرب التنباک والتُتن، کما صدر من المجدّد المؤسّس السيّد ميرزا حسن الشيرازي عند معاهدة الحکومة

[1] ـ الکافي، ج 7، ص 412؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 136: «فَإنيّ قد جَعَلتُه علَيکُم حاکمًا؛ فَإذا حَکَمَ بِحُکمِنا فَلَم يَقبَلهُ مِنهُ، فَإنَّما بِحُکمِ اللهِ قد اسْتَخَفَّ، و عَلَينا رَدَّ، و الرّادُّ عَلَينا الرّادُّ عَلَي اللهِ و هو عَلَي حَدِّ الشِّرکِ بِاللهِ».