نام کتاب : الواضح في شرح العروة الوثقى - ط آل البيت نویسنده : الجواهري، الشيخ محمد جلد : 1 صفحه : 110
به العقل . وأما بالنظر إلى الروايات فالمستفاد منها أن الاستطاعة المرادة في الحجّ أخص من معناها اللغوي ، ولذا وقع الكلام في اعتبار الزاد والراحلة بعد الفراغ عن اشتراطهما في الجملة ، مثل أن المراد بالاستطاعة هو الزاد والراحلة بالنسبة إلى خصوص من يحتاج إليهما ، وأما من لا يحتاج إليهما كما لو فرض أن الرجل قوي لا يحتاج إلى الراحلة - خصوصاً مع عدم بعد المسافة كثيراً - فلا يعتبر فيه ذلك كما ذهب إليه جماعة من المتأخرين ، وهو الظاهر من صاحب الوسائل حيث أخذ في عنوان بابه الحاجة إلى الزاد والراحلة [1] ، أو أنهما يعتبران على الإطلاق ، فلو كان القوي الذي لا يحتاج إلى راحلة لا راحلة له لا يجب عليه الحجّ ولا يجب عليه الحجّ ماشياً ، وهذا القول هو المتسالم عليه بين المتقدمين وكثير من المتأخرين . وهو الذي قوّاه الماتن ( قدس سره ) وإن احتاط بالقول الأول أيضاً . ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات . فمما يدل على الثاني صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي قال : « سأل حفص الكناسي أبا عبد الله 7 وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال ، فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى في سربه ، له زاد وراحلة ، فلم يحجّ فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم » [2] وهذه الصحيحة دالة على أن الاستطاعة لا يراد بها المعنى اللغوي ومطلق القدرة ، بل لابد له من الزاد والراحلة وإلاّ فليس عليه الحجّ لأنه غير مستطيع وإن كان قادراً على المشي .
نعم ، الروايات الواردة في المقام تفيد أن المراد من الاستطاعة في الحجّ والآية المباركة أخص من معناها اللغوي ، وأما أن الآية ليست بظاهرة فيه مع قطع النظر عن الروايات فهو خلاف ما نطقت به كتب اللغة . ودعوى أن للآية المباركة « إطلاق عرفي أضيق من المفهوم العقلي لها ، وهو التمكن على الشيء من دون لزوم مشقة وعسر باتيانه ، فمن يرى أن في عمله مشقة عليه يصح له أن يقول لا أقدر على العمل ، ولا يرى أنه متسامح في هذا الاطلاق عرفاً » المرتقى 1 : 49 فليس هو معنى الآية في حد نفسها ، ولا دليل عليه لا من كتب اللغة ولا من غيرها ، بل قوله « لا يرى أنه متسامح عرفاً » في قوله : لا أقدر على هذا العمل ، أيضاً أول الكلام ، فإنه إذا عمله ولو بمشقة وصف قوله « لا أقدر على العمل » بالكذب بلا إشكال ، بل حتى لو لم يعمله فيما بينه وبين الله إلا أن يلحقه بقرينة تبين المعنى المتسامح فيه بأن يقول : إني لا أقدر على العمل ، بمعنى أن فيه مشقة علي ، لا أني لا أقدر عليه عقلاً . وعليه فالمعنى اللغوي للاستطاعة في الآية المباركة وهو القدرة عقلاً هو الذي ترشد الآية اليه مع غض النظر عن الروايات الواردة في المقام . ولا معنى لعدم التسليم به إلاّ مع محو ما ذكر في معناه من كتب اللغة لو كان ذلك ممكناً .