(لم تبلغه
العقول بتحديد فيكون مشبّها) المراد بالتّحديد إمّا إثبات الحدّ و
النّهاية، أو التّعريف بالذّاتي كما هو عرف المنطقيّين، و ظاهر أنّ اللَّه سبحانه
منزّه عن الحدود و النّهايات التّي هى من عوارض الأجسام و الجسمانيّات، مقدّس عن
الأجزاء و التّركب مطلقا من الذّاتيات أو العرضيّات، فذاته سبحانه ليس له حدّ و
تركيب حتّى يمكن للعقول البلوغ إليه بتحديد كما لساير الأجسام (و لم تقع
عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلا) قال الشّارح البحراني: إذ الوهم لا يدرك إلّا
المعاني الجزئيّة المتعلّقة بالمحسوسات. و لا بدّ له في إدراك ذلك المدرك من بعث
المتخيّلة على تشبيهه بمثال من الصّور الجسمانيّة، فلو وقع عليه و هم لمثّله في
صورة حسيّة حتّى أنّ الوهم إنّما يدرك نفسه في مثال من صورة و حجم و مقدر (خلق
الخلق على غير تمثيل) الظّاهر أنّ المراد بالتمثيل ايجاد الخلق على حذوما
خلقه غيره، و لمّا لم يكن الباري سبحانه مسبوقا بغيره فليس خلقه إلّا على وجه
الابداع و الاختراع، أو أنّ المراد أنّه لم يجعل لخلقه مثالا قبل الايجاد كما
يفعله البنّاء تصويرا لما يريد بنائه، و معلوم أنّ كيفيّة صنعه للعالم منزّهة عن
هذا الوجه أيضا كما سبق في شرح الفصل السّابع من الخطبة الاولى (و لا
مشورة مشير و لا معونة معين) لأنّ الحاجة إلى المشير و المعين من صفات
النّاقص المحتاج و هو سبحانه الغنيّ المطلق في ذاته و أفعاله فلا يحتاج في إيجاده
إلى مشاورة و لا إعانة (فتمّ خلقه) أى بلغ كلّ مخلوق إلى مرتبة كماله و
تمامه الّذي أراده اللَّه سبحانه منه أو خرج جميع ما أراده من العدم إلى الوجود (بأمره) أى بمجرّد
أمره التكويني و محض مشيّته التّامة النّافذة كما قال عزّ من قائل:
«إنّما أمره
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» (و أذعن) أي خضع و أقرّ و
أسرع و انقاد كلّ (لطاعته فأجاب و لم يدافع، و انقاد و لم ينازع) و هاتان الجملتان
مفسّرتان للاذعان، و المراد دخول الخلق تحت القدرة الالهيّة و عدم الاستطاعة