قوله: جناحان، خبر مبتدأ محذوف أى جناحاه
جناحان، و لمّا في قوله: لمّا يرقا بمعنى لم الجازمة.
المعنى
براعة
الاستهلال اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة يذكر فيها بديع خلقة الخفّاش، و الغرض
منه التنبيه على عظمة قدرة خالقها، و على كمال صنعه سبحانه في إبداعها، و الدّلالة
على عظيم برهانه في ملكه و ملكوته و لمّا كان الغرض ذلك افتتح 7 كلامه
بالحمد و الثناء عليه تعالى بجملة من صفات الكمال و نعوت الجلال و الجمال بمقتضى
براعة الاستهلال فقال: (الحمد للَّه الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته) أى عجز
الواصفون عن صفته و أعيت الألسن عن وصفه بحقيقته، لأنّ ذاته سبحانه بريئة عن أنحاء
التركيب، منزّهة عن الأجزاء و النّهايات، فلا حدّ له و لا صورة تساويه، فلا يمكن
للعقول الوصول إلى حقيقة معرفته، و لا للألسن الحكاية و البيان عن هويّته، و
قد مرّ تحقيق ذلك في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الاولى و غيره أيضا غير مرّة (و ردعت) أى منعت (عظمته
العقول فلم تجد مساغا) و مسلكا (إلى بلوغ غاية ملكوته) أى منتهى
عزّه و سلطانه (هو اللَّه الملك الحقّ) الثّابت المتحقّق وجوده و إلهيّته أو
الموجود حقيقة (المبين) أى الظّاهر البيّن وجوده بل هو أظهر وجودا من
كلّ شيء فان خفى مع ظهوره فلشدّة ظهوره، و ظهوره سبب بطونه و نوره هو حجاب نوره
إذ كلّ ذرّة من ذرّات مبدعاته و مكوّناته فلها عدّة ألسنة تشهد بوجوده، و بالحاجة
إلى تدبيره و قدرته كما مرّ تفصيلا و تحقيقا في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين.
(أحقّ و
أبين) أى أثبت و أوضح (ممّا ترى العيون) لأنّ العلم بوجوده
تعالى عقليّ يقينيّ لا يتطرّق إليه ما يتطرّق إلى المحسوسات من الغلط و الاشتباه
ألا ترى أنّ العين قد يرى الصّغير كبيرا كالعنبة في الزّجاجة المملوّة ماء، و
الكبير صغيرا كالبعيد، و السّاكن متحرّكا كحرف الشّط إذا رآه راكب السّفينة
متصاعدا