ثمّ إنّه لمّا أشار الى الحكمة في بعث
الرّسل و نبّه على الغرض من التّكليف أردفه بقوله: كنايه
(أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا) و
غرضه بذلك توبيخ الزّاعمين لذلك و الانكار عليهم و التّنبيه على أنّ الرّسوخ في
العلم مخصوص بأهل بيت الولاية : و أنّ غيرهم كاذب في دعوى الرّسوخ.
و هذه الدّعوى
منهم أعنى اختصاصهم بالرّسوخ قد شهد عليه البراهين العقلية و النقلية و نصّ عليه
العامّة و الخاصّة.
اما العامة
فلما أورده الشّارح المعتزلي في شرح هذا المقام حيث قال: إنّه كناية و إشارة إلى
قوم من الصّحابة كانوا ينازعونه الفضل، فمنهم من كان يدّعى له أنّه أفرض، و منهم
من كان يدّعى له أنّه أقرء، و منهم من كان يدّعى له أنّه أعلم بالحلال و الحرام،
هذا.
مع تسليم
هؤلاء له أنّه 7 أفضل «أقضى ظ» الامّة و أنّ القضاء يحتاج إلى كلّ هذه
الفضائل و كلّ واحدة منها لا تحتاج إلى غيرها، فهو إذا أجمع للفقه و أكثرهم احتواء
عليه إلّا أنه لم يرض بذلك، و لم يصدق الخبر[1]
الذي قيل أفرضكم فلان إلى آخره، فقال إنّه كذب و افتراء حمل قوما على وضعه الحسد و
البغى و المنافسة لهذا الحىّ من بني هاشم.
و أما الخاصة
فقد تظافرت رواياتهم على ذلك.
ففي البحار
من بصائر الدّرجات باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه 7 قال: نحن
الرّاسخون في العلم و نحن نعلم تأويله.
و من البصائر
أيضا عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللَّه بن حمّاد عن بريد البجلي «العجلى ظ» عن
أحدهما 8 في قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آل محمّد 6
فرسول اللَّه أفضل الرّاسخين في العلم قد علّمه اللَّه جميع ما أنزله عليه من
التنزيل و التأويل، و ما كان اللَّه لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، و أوصياؤه
من بعده يعلمونه كلّه.
[1] و هو ما رووه من أنّ أفرضكم زيد بن ثابت و أقرءكم ابىّ، منه