أى خيّره اللَّه بين البقاء و اللّقاء
فاختار لقاء اللَّه، و هو مبنيّ على منع كون حفظ النّفس واجبا مطلقا، و لعلّه كان
من خصائصهم عدم وجوب ذلك عند اختيارهم الموت و حكم العقل في ذلك غير متّبع مع أنّ
حكم العقل في مثل ذلك غير مسلّم.
و في بعض
النّسخ أعني نسخ الكافي حيّن بالحاء المهملة و النّون أخيرا، بدل خير، قال
الجوهريّ: حيّنه جعل له وقتا يقال: حيّنت النّاقة إذا جعلت لها في يوم و ليلة وقتا
تحلبها فيه انتهى، فالمعنى أنّه كان بلغ الأجل المحتوم المقدّر و كان لا يمكن
الفرار منه.
قال المحدّث
العلّامة المجلسيّ: و حاصله أنّ من لا يعلم أسباب التّقديرات الواقعة يمكنه الفرار
عن المحذورات و يكلّف به، و أمّا من كان عالما بجميع الحوادث، فكيف يكلّف الفرار و
إلّا يلزم عدم وقوع شيء من التّقديرات فيه، بل هم : غير مكلّفين
بالعمل بهذا العلم في أكثر التّكاليف.
فانّ النّبيّ
6 و أمير المؤمنين 7 كانا يعرفان
المنافقين و يعلمان سوء عقايدهم و لم يكونوا مكلّفين بالاجتناب عنهم و ترك
معاشرتهم و عدم مناكحتهم أو قتلهم و طردهم ما لم يظهر منهم شيء يوجب ذلك.
و كذا علم
أمير المؤمنين 7 بعدم الظّفر بمعاوية و بقاء ملكه بعده لم يكن سببا لأن
يترك قتاله، بل كان يبلغ في ذلك غاية جهده إلى أن استشهد صلوات اللَّه عليه مع
أنّه كان يخبر بشهادته و استيلاء معاوية بعده.
و كذا الحسين
7 كان عالما بغدر أهل العراق به و أنّه سيستشهد هناك مع أولاده و
أقاربه و أصحابه، و يخبر بذلك مرارا و لم يكن مكلّفا بالعمل بهذا العلم بل كان
مكلّفا بالعمل بهذا الأمر حيث بذلوا له نصرتهم و كاتبوه و راسلوه و وعدوه البيعة و
بايعوا مسلم بن عقيل رضى اللَّه عنه انتهى.
و قال
المجلسيّ أيضا في موضع آخر من شرح الكافي: الظاهر من ساير الأخبار أنّه 7 كان عالما بشهادته و وقتها و كان ينتظرها و يخبر بوقوعها و يستبطئها في
اللّيلة التي وعدها و يقول: ما منع قاتلي من قتلي انتهى.