فقد ظهر و اتّضح بذلك كلّه أنّه 7 كان يعرف تفصيلا زمان قتله و مكانه كما ظهر دفع الاشكال فيه و الاعتراض
عليه بأنّه مع المعرفة التفصيليّة كان الواجب عليه حفظ نفسه و عدم إلقاءه لها إلى
التهلكة.
فان قلت:
سلّمنا هذا كلّه و لكن ما تصنع بقوله 7 كم اطّردت الأيّام
أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلّا إخفاءه؟
قلت: يمكن
توجيهه بأن يكون المراد بهذا الأمر خفاء الحقّ و مظلوميّة أهله و ظهور الباطل و
غلبة أصحابه و كثرة أعوانه، لأنّه 7 سعى في أوّل الأمر في أخذ حقّه
غاية السّعى فلم يتيسّر و جرت امور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله، و في آخر
الأمر لمّا انتهى إليه و حصل له الأنصار و الأعوان و جاهد في اللَّه حقّ الجهاد و
غلب على المنافقين سنحت فتنه التحكيم الّتي كانت من غرايب الامور ثمّ بعد ذلك لمّا
جمع العساكر و أراد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى، فالمراد بالمكنون سرّ ذلك و سببه
فظهر لي و أبى اللَّه إلّا إخفاءه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه، إذ هي من غوامض مسائل
القضاء و القدر.
و هذا
التوجيه أورده المحدّث المجلسيّ في مرآت العقول نقلا عن بعضهم و استحسنه.
و محصّله أنّ
المراد بالأمر المكنون في كلامه 7 سرّ غلبة الباطل على الحقّ
و علّة مظلومية أهل الحقّ، و المراد باخفاء اللَّه إياه إخفاءه منهم لا منه
7، فيكون هذا الكلام منه نظير قوله 7 في الكلام الخامس: بل اند
مجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة.
قوله (هيهات
علم مخزون) أى بعد الاطلاع على ذلك السّر فانه علم مخزون و من شأن المخزون أن يسرّ و
يخفى.
ثمّ شرع في
الوصيّة فقال: (أما وصيّتي فاللَّه لا تشركوا به شيئا) أى وحّدوه و أخلصوا
العمل له و الزموا أوامره و نواهيه (و محمّدا 6 فلا
تضيّعوا سنّته) أى لا تهملوها، و هو أمر بلزوم شرايع الدّين و سلوك نهج الشرع
المبين.