التّعب و العطب للتحصيل و الطلب إلى أن
يموت فيكفن و يخرج فيدفن (لاجاء يردّ) به أراد به الموت (و لا ماض يرتد) أزاد به الميّت.
ثمّ تعجب
ثانية و قال (فسبحان اللَّه ما أقرب الحىّ من الميّت للحاقه به و أبعد الميّت
من الحىّ لانقطاعه عنه) و هو من أفصح الكلام و أحسنه في تأدية المرام يعرف ذلك من
له دراية في صناعة البيان و إحاطة بلطايف فنّ المعان.
ثمّ نبّه على
شدّة عقاب الآخرة و عظم ثوابها بقوله مبالغة (إنّه ليس شيء
بشرّ من الشرّ إلّا عقابه و ليس شيء بخير من الخير إلّا ثوابه) قال الشارح
البحراني: يحتمل أن يريد الشرّ و الخير المطلقين و يكون ذلك للمبالغة إذ يقال
للأمر الشريف:
هذا أشدّ من
الشديد و أجود من الجيد، و يحتمل أن يريد شرّ الدّنيا و خيرها، فانّ أعظم شرّ في
الدّنيا مستحقر في عقاب اللَّه، و أعظم خير فيها مستحقر بالنسبة إلى ثواب اللَّه،
انتهى.
و الاحتمال
الأوّل أظهر، و عليه فالمراد انه ليس شيء يكون أشرّ الأشياء، إلّا عقاب ذلك
الشّيء، و لا شيء يكون أعظم الأشياء خيرا إلّا ثواب ذلك الشيء.
إلّا أنّ
الاحتمال الثاني يؤيّده قوله (و كلّ شيء من الدّنيا) خيرا كان أو
شرّا (سماعه أعظم من عيانه) أما خيرها فلأنّ الانسان لا يزال يحرص
على تحصيل الدّرهم و الدّينار و ساير القنيات الدّنيويّة، و يكون قلبه مشغولا
بتحصيلها مسرورا بانتظار وصولها، فاذا وصل إليها هانت عليه و ارتفع وقعها لديه كما
يشهد به التجربه و الوجدان، و أمّا شرّها فلأنّ أعظم شرّ يتصوّرها الانسان
بالسّماع و يستهوله و يستنكره ممّن يفعله هو صورة القتل و الجرح، فاذا وقع في مثل
تلك الأحوال و اضطرّ إلى المخاصمة و القتال سهل عليه ما كان يستصعبه منها، و هو
معنى قوله في بعض كلماته الآتية: إذا هبت أمرا فقع فيه.
(و كلّ
شيء من الآخرة) ثوابا كان أو عقابا (عيانه أعظم من سماعه) فانّ جلّ
الخلق بل كلّهم إلّا الصّدّيقين إذا سمعوا أحوال الآخرة خيرها و شرّها إنما
يتصوّرونها كأحوال الدّنيا و يزعمونها مثلها و يقيسونها إليها، بل بعضهم
يتوهّمونها