(و من غيرها) أى
تغيّر الدّنيا و انقلابها (انّك ترى المرحوم مغبوطا
و المغبوط مرحوما) يعني ترى من يرحمه الخلايق بسبب الضّر و
الفقر و المسكنة يصير في زمان قليل موصوفا باليسار و الرّخاء و السعة فيغبطونه
بذلك، و ترى من يغبطه الخلائق بالعزّ و المنعة و الغنى يصير عمّا قليل مبتلا
بالذلّ و الفقر و العناء، فيرحمونه لأجل ذلك.
و (ليس ذلك
إلّا نعيما زلّ و بؤسا نزل) أى ليس كون المغبوط مرحوما إلّا بنعيم انتقل
من المغبوط إلى غيره، أو شدّة نزلت عليه و فقر و سوء حال حلّ به (و من
عبرها أنّ المرء يشرف على أمله فيقتطعه حضور أجله) أى يطلع على أمله و
يعلو عليه بحيث يكاد يدركه فيحضر إذا أجله و يقتطعه عنه و يحول بينه و بينه (فلا أمل
يدرك و لا مؤمّل يترك) ثمّ تعجب من بعض حالات الدّنيا و أطوارها و قال كنايه (فسبحان
اللَّه ما أغرّ سرورها و أظماء ريّها و أضحى فيئها) أراد بالرّى استتمام
لذّتها و بفيئها الرّكون إلى قنياتها و الاعتماد عليها، أى أيّ شيء أوجب لكون
سرورها سببا للغرور، و كون ريّها سببا للعطش و ظلّها سببا للحرارة، فانّ الضحى هي
وقت ارتفاع الشّمش و عنده تكون الحرارة.
و نسبة
الغرور إلى السرور و الظماء إلى الرّى و الضحى إلى الفىء باعتبار أنّ سرورها و
لذّاتها و زخارفها هي الصّوارف عن العمل للآخرة، و الشواغل عن الاقبال إلى اللَّه
سبحانه، فكان سرورها أقوى سبب للاغترار بها، و ريّها من آكد
الأسباب للعطش في الآخرة و الحرمان من شراب الأبرار، و فيئها من أقوى
الدواعى إلى إيراده في حرّ الجحيم و تصلية الحميم.
و يحتمل أن
يكون المراد باظماء ريّها أنّ الارتواء منها لا ينقع و لا ينفع من
الغلة، بل يزيد في العطش كمن شرب من الماء المالح و الاجاج، فيكون كناية عن كون
الاكثار منها سببا لمزيد الحرص عليها، و كذا يكون المراد باضحاء فيئها أنّ من طلب
الراحة فيها اعتمادا على ما جمعها منها لا يجد فيها الراحة و لا ينجو به من حرارة
الكبد و فرط المحبة إلى جمعها و تحصيلها و إكثارها، بل هو دائما في