فان قلت: صرّح الأدبيّون بأنّ عطف البيان
إنّما يؤتى به لا يضاح متبوعه و ههنا المتبوع أعرف من التابع فكيف يجوز الاتباع؟
قلت: هذا
مبنيّ على الأغلب و إلّا فقد يؤتى بالبيان لقصد المدح كما قاله المحقّق
التفتازاني، حيث قال: فائدة عطف البيان لا تنحصر في الايضاح لما ذكر صاحب الكشاف
أنّ البيت الحرام في قوله تعالى: جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس،
عطف بيان جيء به للمدح لا للايضاح كما تجيء الصّفة لذلك، انتهى و جملة تذخر له
الذّخائر مجرورة المحلّ على الوصف، و جملة يجعله اللَّه في محلّ النصب على الحال
أو الوصف، و جملة يورثه من لا يحمده وصفيّة.
المعنى
اعلم أنّ
المقصود بهذا الكلام كما يفهم من سياقه الاشارة إلى وجوب اتباعه و ملازمته و
التمسك بذيل ولايته و اتباع الطّيبين من عترته و ذريّته، و وجوب أخذ معالم الدّين
و أحكام الشّرع المبين عنهم :، و عقّبه بالأمر بأخذ الزاد ليوم
المعاد، و لذلك ذكر جملة من فضائله المخصوصة به المفيدة لتقدّمه على غيره، و
الدّالة على وجوب تقديمه نظرا إلى قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح، و غير خفيّ على
الذّكيّ البصير أنّ كلا من هذه الخصائص برهان واضح و شاهد صدق على اختصاص الخلافة
و الولاية بهم : و على أنّها حقّ لهم دون غيرهم.
و افتتح
كلامه بالقسم البارّ تحقيقا للمقصد فقال: (تاللَّه لقد علّمت تبليغ الرسالات) أى علّمنيه
رسول اللَّه 6 بتعليم من اللَّه سبحانه و أعلمنيه
بأمر منه تعالى، لا أنّه علمه بوحى كما توهمه بعض الغلات، لأنّ الأئمة عليهم
السّلام محدّثون، و الرسالة هو الاخبار عن مراد اللَّه تعالى بكلامه بدون واسطة
بشر، و المراد أنّه 7 علمه رسول اللَّه 6 إبلاغ
ما جاء به إلى الخلق على اختلاف ألسنتهم و تعدّد لغاتهم سواء كان ذلك في حال حياة
الرّسول كبعثه 6 له 7 بسورة برائة إلى أهل مكة و
عزله لأبي بكر معلّلا بقوله 6: امرت أن لا يبلغها إلّا
أنا أو رجل منّى و بعثه له إلى الجنّ و نحو ذلك، أو بعد وفاته 6، فقد كان هو و أولاده الطاهرون