و لا محبّة إلّا بالانس الحاصل بدوام
الذكر، و لا معرفة إلّا بدوام الفكر و فراغ القلب شرط في كلّ واحد منهما، و لا
فراغ مع المخالطة.
الفائدة
الثانية
التخلّص بالعزلة
عن المعاصى التي يتعرّض الانسان غالبا لها بالمخالطة و يسلم منها في الخلوة، و هى
أربعة: الغيبة، و الرّياء، و السّكوت عن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و
مسارقة الطبع من الأخلاق الرّديئة و الأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على
الدّنيا.
أما الغيبة
فانّ التحرّز منها مع المخالطة عظيم لا ينجو منها إلّا الصدّيقون لأنّ عادة الناس
كافة التمضمض بأعراض النّاس و التّفكه و التنقّل بحلاوتها، و هى طعمتهم و لذّتهم،
و إليها يستروحون من وحشتهم في الخلوة، فان خالطتهم و وافقتهم أثمت و تعرّضت لسخط
اللّه، و إن سكتّ كنت شريكا، و المستمع أحد المغتابين، و إن أنكرت أبغضوك و تركوا
ذلك المغتاب و اغتابوك، فازدادوا غيبة إلى غيبة، و ربّما تعدّوا عن الغيبة إلى
الاستخفاف و الاستهزاء و الشتم.
و أما الامر
بالمعروف و النهى عن المنكر فمن خالط النّاس فلا بدّ له من مشاهدة المنكرات، فان
سكت عصى اللّه به، و إن أنكر تعرّض لأنواع من الضرر و الأذى، و في العزلة خلاص من
ذلك، فانّ الأمر في اهماله شديد، و القيام به شاق، فانّه كجدار مائل يريد الانسان
أن يقيمه فيوشك أن يسقط عليه، فاذا سقط عليه يقول: يا ليتنى تركته مائلا، نعم لو
وجد أعوانا أمسكوا الحائط حتّى يحكمه بدعامة لاستقام، و أنت اليوم لا تجد الأعوان
فدعهم و انج بنفسك قال الشّاعر:
و كم سقت في آثاركم من نصيحة
و قد يستفيد البغضة المتنصّح
و أما الرياء
فهو الداء العضال الذى يعسر الاحتراز منه على الأوتاد و الأبدال و هو إمّا في
العبادات أو فى العادات و قد مرّ تحقيق الكلام في الأوّل في شرح الخطبة الثّالثة و
العشرين و عرف هنالك أنّ الاعتزال من النّاس علاجه