و أمّا
الثاني أعني الرّياء في العادات فكلّ من خالط النّاس داراهم و من داراهم رءاهم و
من رءاهم وقع فيما وقعوا فيه و هلك، و أقل ما يلزم فيه النّفاق فانك إن ترى
متعاديين و لم تلق كلّ واحد منهما بوجه يوافقه صرت بغيضا إليهما جميعا، و إن
جاملتهما كنت عن شرار النّاس.
قال 7 انّ من شرار النّاس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه و في الكافي
باسناده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه 7 من لقى المسلمين بوجهين و
لسانين جاء يوم القيامة و له لسان من نار.
و عن عبد
الرّحمن بن حماد رفعه قال: قال اللّه تبارك و تعالى لعيسى 7 يا عيسى
لتكن لسانك في السّر و العلانية لسانا واحدا و كذلك قلبك، إنّي احذّرك نفسك و كفى
بى خبير الا يصلح لسانان في فم واحد و لا سيفان في غمد واحد و لا قلبان في صدر
واحد و كذلك الأذهان.
و أقلّ ما
يجب في مخالطة الناس اظهار الشوق و المبالغة فيه و لا يخلو ذلك عن كذب إمّا في
الأصل و إمّا في الزيادة و اظهار الشفقة بالسؤال عن الأحوال بقولك كيف أنت و كيف
أهلك و أنت في الباطن فارغ عن همومه و هو نفاق محض و آية ذلك أنّك تقول كيف أنت و
يقول الآخر كيف أنت، فالسّائل لا ينتظر بالجواب و المسئول يشتغل بالسؤال و لا
يجيب، و ذلك لمعرفتهم بأنّ ذلك عن رياء و تكلّف، و لعلّ القلوب لا تخلو من ضغائن
الأحقاد و الألسن تنطق بالسؤال.
قال بعضهم:
انّى لأعرف أقواما كانوا لا يتلاقون و لو حكم أحدهم على صاحبه بجميع ماله لبذله، و
أرى الآن أقواما يتلاقون و يتساءلون حتّى عن الدّجاجة في البيت، و لو انبسط أحدهم
لحبّة من مال صاحبه لمنعه، هل هذا إلّا مجرّد الرّياء و النّفاق، و كلّ ذلك مذموم
بعضه محرّم و بعضه مكروه، و في العزلة خلاص منه، فانّ من لقي الخلق و لم يتخلّق
بأخلاقهم مقتوه و استثقلوه و اغتابوه و تشمّر و الإبذائه فيذهب دينهم فيه و يذهب
دينه و دنياه في الانتقام منهم.