قال: سمعت أبا عبد اللّه 7 و
قد سئل عن الأوّل و الآخر، فقال: الأوّل لا عن أوّل قبله و لا عن بدىء سبقه، و
آخر لا عن نهاية كما يعقل عن صفة المخلوقين، و لكن قديم أوّل آخر لم يزل و لا يزول
بلا بدىء و لا نهاية، لا يقع عليه الحدوث و لا يحول من حال إلى حال، خالق كلّ
شيء.
قال بعض
شرّاح الحديث، البدىء فعيل بمعنى المصدر أى البداية لوقوعه في مقابل النهاية، و
عن الثانية بمعنى إلى، و المراد أنّ أوّليته تعالى لا عن ابتداء و آخريّته لا إلى
نهاية، فهو الأوّل لم يزل بلا أوّل سبقه و لا بداية له، و هو الآخر لا يزول بلا
آخر بعده و لا نهاية له.
و قوله 7: و لكن قديم أوّل آخر بترك الواو العاطفة اشارة إلى أنّ أوليّته عين
آخريته ليدلّ على أن كونه قديما ليس بمعنى القديم الزماني أى الامتداد الكمي بلا
نهاية إذ وجوده ليس بزماني سواء كان الزّمان متناهيا أو غير متناه و إلّا لزم
التغيّر و التجدّد في ذاته بل وجوده فوق الزمان، و الدّهر نسبته إلى الأزل كنسبته
إلى الأبد، فهو بما هو أزليّ أبديّ، و بما هو أبديّ أزليّ، و أنّه و إن كان مع
الأزل و الأبد، لكنه ليس في الأزل و لا في الأبد حتّى يتغيّر ذاته، و إليه الاشارة
بقوله: لا يقع عليه الحدوث إذ كلّ زمان و زماني و إن لم يكن ذا بداية فهو حادث اذ
كلّ من وجوده مسبوق بعدم سابق فهو حادث.
و قوله 7 لا يحول من حال إلى حال، إمّا تفسير للحدوث، و إمّا إشارة إلى أن لا تغيّر
أصلا في صفاته كما لا تغيّر في ذاته، فليست ذاته و لا صفاته الحقيقية واقعة في
الزمان و التّغير.
و قوله 7 خالق كلّ شيء، كالبرهان لما ذكر، فانه تعالى لما كان خالق كلّ شيء سواء
كان خالقا للزمان و الدّهر، فيكون وجوده قبل الزّمان قبلية بالذات لا بالزمان، و
إلّا لزم تقدّم الزّمان على نفسه و هو محال، فاذا حيث هو تعالى لا زمان و لا حركة
و لا تغيّر أصلا فهو تعالى أوّل بما هو آخر و آخر بما هو أوّل، نسبته إلى الآزال و
الآباد نسبة واحدة و معيّة قيّومية غير زمانيّة.