افتقارية بأن يكون إحداهما سببا للاخرى،
أو يكونا جميعا مسبّبين عن ثالث موجب لهما، فيجوز عند العقل انفكاك كلّ منهما عن
صاحبه، فكانت مصاحبتهما لا بالذّات بل بالاتفاق في زمان أو نحوه.
فالحق تعالى
إذ هو مبدء كلّ شيء كان الزّمان مخلوقا له متأخّرا عنه، فلم يكن قديما بالزّمان،
فهو قديم بالذّات لأنّ ذاته غير متعلّق بشيء فلا شيء قبله قبليّة بالذات، و لا
معه معيّة بالذات لما علمت، و إذ كلّ ما سواه مفتقر الذات إليه فيكون متأخّرا عنه
فيكون حادثا.
فظهر بذلك
عدم جواز كون شيء قبله أو معه، لأنّه لو كان معه شيء لم يكن اللّه سببا موجدا
له، بل يلزم أن يكون ثالث موجدا لهما، و لو كان قبله شيء لكان ذلك القبل خالقا و
الخالق مخلوقا له.
و تحقّق من
ذلك بطلان قول من قال إنّ العالم قديم، لأنّه إن أراد به أنّه قديم بالذات فهو
يناقض كونه عالما مفتقرا إلى غيره، و إن أراد أنّ ذاته مع ذات البارى فحيث ذات
البارى لم يكن له وجود في تلك المرتبة أصلا، و إن قال إنّه قديم بالزّمان فالزّمان
ليس الّا كمية الحركة و عددها و الحركة ليست حقيقتها الّا الحدوث و التجدّد، فكذلك
كلّ ما فيها أو معها فعلم بذلك أن لا قديم بالذّات إلّا الأوّل تعالى.
و إذا اطلق
على غيره كان بمعنى ثالث نسبى غير حقيقى و هو أن يكون ما مضى من وجود شيء أكثر
مما مضى من وجود شيء آخر و هو القديم العرفي هذا.
و لما عرفت
أنّ معنى أوليّته سبحانه كونه قديما بالذات و مبدءا للموجودات و معنى آخريّته كونه
أبديا و غاية الغايات تعرف بذلك أنه سبحانه (بأوليته وجب أن
لا أوّل له و بآخريّتة وجب أن لا آخر له) يعني أنّه سبحانه لما كان بذاته أولا
آخرا لا يمكن أن يكون لذاته أوّل و بداية، و لا له آخر و نهاية، كما لا يمكن أن
يكون له أوّل سبقه، و لا له آخر بعده.
و يوضح ذلك
رواية ميمون البان التي تقدّمت في شرح الخطبة الرابعة و الثمانين