و من قاصف تميز لكم، و عن في قوله و عن
قليل بمعنى بعد على حدّ قوله:
عَمَّا
قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ.
المعنى
اعلم أنّ هذه
الخطبة الشريفة من الخطب التي تشتمل على ذكر الملاحم و الوقايع العظيمة
التي اتفقت بعده 7 أخبر فيها عمّا يكون قبل كونه، و افتتحها بأوصاف
العظمة و الكمال للّه المتعال فقال (الأوّل قبل كلّ أوّل و الآخر بعد كلّ آخر) قد مضى
تحقيق الكلام مستقصى في أوّليته و آخريّته سبحانه و أنّه لا شيء قبله و بعده في
شرح الخطبة الرابعة و السّتين و الرابعة و الثمانين و الخطبة التسعين.
و أقول هنا
إنّ قوله الأوّل قبل كلّ أوّل، اخبار عن قدمه، و قوله و الآخر
بعد كلّ آخر، اخبار عن استحالة عدمه، يعني أنه تعالى قديم أزلي و دائم أبدي و هو
أوّل الأوائل و آخر الأواخر، فلو فرض وجود شيء قبله لزم بطلان قدمه، و لو فرض
وجود شيء بعده لزم جواز عدمه، و كلاهما محال لتنافيهما لوجوب الوجود و لا بأس
بتحقيق الكلام في قدمه تعالى فنقول: إنّ القديم على ما حقّقه بعض المتألّهين له
معنيان بل معان ثلاثة:
أحدها القديم
الزّماني، و هو أن لا يكون للزّمان و وجوده ابتداء و اللّه سبحانه لا يتّصف بالقدم
بهذا المعنى، لأنه تعالى برىء عن مقارنة الزّمان و التغيّر و التقدّر بالمقدار،
سواء كان مقدارا قارّا كالجسم و الخطّ، أو غير قار كالزّمان.
و الثاني
القديم الذاتي، و هو أن لا يكون ذاته من حيث ذاته مفتقرا إلى غيره حتّى يكون
متأخّرا عنه بالذّات، و لا أن يكون معه شيء آخر معيّة بالذات حتّى يتأخّرا جميعا
عن شيء ثالث تأخّرا بالذّات، فانّ المعية الذاتية بين شيئين هو أن لا يمكن انفكاك
أحدهما نظرا إلى ذاته عن صاحبه، و هذا المعنى يستلزم أن يكون كلاهما معلولى علّة
واحدة، فانّ الذّاتين إذا لم يكن بينهما علاقة ذاتية