عقيب شرب الدّواء مرّة بعد مرّة فينتزع
العقل من تلك المشاهدة حكما كلّيا بأنّ ذلك الدّواء مسهل و معلوم أنّ اجتماع الحسّ
و العقل من خصايص نوع الانسان و ثانيهما أنّ التّجربة إنما تفيد علما لم يكن قبل
فالمحتاج إلى التجربة لاستفادة العلم بها ناقص بذاته مستكمل بها و المستكمل بالغير
محتاج إليه فيكون ممكنا و أمّا الشريك المعين فلانتفاء الشريك أوّلا كما مرّ في
شرح الفصل الرابع من فصول الخطبة الاولى، و لانتفاء مبدء الاستعانة ثانيا لأنّ
مبدئها هو العجز من الفعل و العجز عبارة عن تناهي القوّة و القدرة، و قدس الحقّ
منزّه عن ذلك.
فقد وضح و
اتّضح بذلك كلّ الوضوح أنّ اللَّه سبحانه غير محتاج في ابداع الخلايق و ايجادها
إلى الفكر و الرّوية، و لا قريحة الطّبيعة و لا تجربة و لا مشاركة و إنّما مستند
الايجاد نفس الارادة و المشيّة و أنّه سبحانه إِذا قَضى
أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ^.
(فتمّ
خلقه) بمشيّته (و أذعن) الكلّ (لطاعته) بمقتضا
امكانه و حاجته (و أجاب) الجميع (إلى دعوته) حيث دعاهم
إلى بساط الوجود بمقتضا عموم الافاضة و الجود (و) الحال انّه (لم يعترض
دونه ريث المبطئ و لا أناة المتلكّى) أى لم يحل دون نفاذ أمره إبطاء المبطئ و لا
تثبّت المتوقّف المعتلّ بل انقاد له جميع الأشياء و أسرعوا إلى أمره عند الدّعاء
من غير تعلّل و لا إبطاء لكون الكلّ مقهورا تحت قدرته أذلّة تحت عزّته كما قال عزّ
من قائل:
يعنى أنّه
إذا أراد فعله و خلقه يقول له ذلك بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكّر،
فقوله كن اشارة إلى هبة ما ينبغي لذلك المأمور و بذل ما يعدّه لاجابة