أمره بالكون في الوجود، و قوله: فيكون
إشارة إلى وجوده، و الفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة دليل على اللّزوم و عدم
التأخّر، هذا.
و يحتمل أن
يكون المراد بنفي اعتراض الرّيث و الاناة نفي اعتراضهما بالنّظر إلى ذاته من حيث
فاعليته، فيكون المقصود بذلك تنزيهه من أن يعرض له شيء من هذه الكيفيّات كما يعزض
على أحدنا إذا أردنا فعل شيء من حيث قصور قدرتنا و ضعف قوّتنا كنايه (فأقام من
الأشياء أودها) و اعوجاجها، و إقامتها كناية عن اعداده ما ينبغي لها و إفاضته
الكمال بالنسبة إليها (و نهج حدودها) و غاياتها أراد به ايضاحه لكلّ شيء
وجهته و تيسيرها له (و لائم بقدرته بين متضادّها) كما جمع بين العناصر
الأربعة على تضادّ كيفيّتها في مزاج واحد (و وصل أسباب قرائنها) و نفوسها
بتعديل أمزجتها لأنّ اعتدال المزاج سبب بقائها.
قال الشارح
البحراني: و يحتمل أن يكون معنى الوصول لأسبابها هدايتها إلى عبادته و ما هو
الأولى بها في معاشها و معادها و سوقها إلى ذلك، إذ المفهوم من قول القائل: وصل
الملك أسباب فلان إذا علّقه عليه و وصله إلى برّه و انعامه، هذا إن جعلنا القراين
بمعنى الأنفس و إن كانت بمعنى مقارنات الشيء فهو إشارة إلى أنّ الموجودات لا
تنفكّ عن أشياء يقترن بها من هيئة أو شكل أو غريزة و نحوها، و اقتران الشيئين لا
محالة مستلزم لاقتران أسبابهما، لاستحالة قيام الموجود بدون أسبابه، و ذلك
الاقتران و الاتّصال مستند إلى كمال قدرته إذ هو مسبب الأسباب.
(و فرّقها
أجناسا مختلفات في الحدود و الاقدار و الغرايز و الهيئات) أى جعلها أقساما
مختلفة النهايات و المقادير متفاوتة الطبايع و الصفات، فجعل بعضها طويلا و بعضها
قصيرا و بعضها صغيرا و بعضها كبيرا، و جعل سجيّة بعضها شجاعا و بعضها جبانا و
بعضها شحيحة و بعضها كريمة و هيئة بعضها حسنة و بعضها قبيحة و هكذا، هذا ان كان
الحدود في كلامه 7 بمعنى النهايات قال الشارح البحرانيّ: و إن حملنا
الحدود على ما هو المتعارف كان حسنا،