الخافض أي فرّقها بأجناس أو على أجناس
مختلفة، و قوله: بدايا خلايق خبر لمبتدأ محذوف أى هي بدايا خلايق، و اضافة بدايا
إلى خلايق من باب اضافة الصّفة إلى موصوفها، قال الشّارح المعتزلي: و يجوز أن لا
يكون بدايا إضافة إليها بل يكون بدلا من اجناسا.
أقول: فعلى
هذا الاحتمال تكون بدايا صفة ثانية لأجناسا و ما ذكرناه أظهر فتدبّر.
المعنى
اعلم أنّ هذا
الفصل من الخطبة متضمن لتنزيه اللَّه سبحانه في كيفية ايجاده للأشياء و خلقه لها
عن صفات المصنوعين، و فيه تنبيه على كون المخلوقين مذلّين لانقياد حكمه، مطيعين
لأمره، ماضين على ارادته، غير متمرّدين عن طاعته كما قال 7: (قدّر ما
خلق فأحكم تقديره) يعني أنّ كلّ مخلوق قدّره في الوجود فعلى وفق حكمته بحيث لو زاد على
ذلك المقدار أو نقص منه لاختلّت مصلحة ذلك المقدّر و تغيّرت جهة المنفعة فيه (و دبّره
فألطف تدبيره) يعني أنّه أوجد الأشياء على وفق المصلحة و نظام الخير فتصرّف فيها
تصرّفات كلّية و جزئيّة من غير شعور غيره ذلك.
(و وجّهه
لوجهته فلم يتعدّ حدود منزلته و لم يقصر دون الانتهاء إلى غايته) أراد أنّه
سبحانه وجّه كلّ ما خلق إلى الجهة التي وجّهه إليها، و ألهم كلّا و يسّره لما خلق
له، كالسحاب للمطر و الحمار للحمل و النّحل للشمع و العسل و هكذا فلم يتجاوز شيء
منها مرسوم تلك المنزلة المحدودة له المعيّنة في حقّه، و لم يقصر دون الانتهاء إلى
الغاية التي كتبت له في اللّوح المحفوظ و إلّا لزم التّغيّر في علمه و عدم النفاذ
في أمره و هما محالان.
(و لم
يستصعب إذ أمر بالمضيّ على إرادته) أى لم يستصعب أحد من المخلوق التّوجّه إلى
الجهة التي وجّهه إليها، و لم يمكنه التّخلّف من المضيّ اليها على وفق إرادته و
حكمته بعد أمره له بذلك أمر تكوين لا تشريع.