و مع هذا كلّه فانّ أكثرهم أطاع عمر بن
الخطاب الذي قد شهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة و عظموه و كفّروا بعد ذلك من
يطعن فيه، و هم من جملة الطاعنين، و ضللوا من يذمّه و هم من جملة الذّامين، و
تبرّؤوا ممن يقبح ذكره و هم من جملة المقبحين.
الرّابعة انّ
غيظ رسول اللّه و غضبه عليه و أمره له بالخروج من البيت و المتنازعين مع خلقه
العظيم و عفوه الكريم و ملاحظته في الفظاظة و الغلظة انقضاض الخلق كما قال سبحانه:
قال الجوهرى:
و حدّثنا أحمد بن سيّار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن
الرّحمن أنّ رسول اللّه 6 في مرض موته أمّر اسامة بن زيد ابن
حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين و الأنصار منهم أبو بكر و عمرو أبو عبيدة بن
الجراح و عبد الرّحمن بن عوف و طلحة و الزبير و أمره أن يغير على موتة[1] حيث قتل أبوه زيد و أن يغزى و ادى
فلسطين، فتثاقل اسامة و تثاقل الجيش بتثاقله و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
اله و سلّم يثقل و يخفّ و يؤكّد القول في تنفيذ ذلك البعث.
حتّى قال له
اسامة: بأبى أنت و أمّى أ تأذن لى أن أمكث أيّاما حتّى يشفيك اللّه؟
فقال: اخرج و
سر على بركة اللّه، فقال: يا رسول اللّه إنّى إن خرجت و أنت على هذه الحال خرجت و
في قلبي قرحة منك، فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سر على النّصر و العافية،
فقال:
[1] اسم الموضع الذى قتل فيه جعفر بن أبي طالب، منه.