(و محاسبون عليها) أى على نعيمها كلّا أو بعضا على ما مضى تحقيقا و تفصيلا في شرح
كلامه الثمانين و مضى هناك أيضا توضيح الاتعاظ بالدّنيا و الاعتبار فيها فليراجع
ثمّة.
ثمّ إنّه
7 لما وصّى بالتّقوى و أمر بلزومه بذكر بعض الجواذب إليه أكّده و علّله
بقوله: كنايه (فانّ الدّنيا رنق مشربها) و هو كناية من كدر لذّاتها من حيث
شوبها بالتّعب و المصائب و الهموم و الأحزان (ردغ مشرعها) لأنّ
مواردتنا و لها و الشّروع فيها من مزالق الاقدام عن سواء الصّراط إلى طرفي التفريط
و الافراط، و ذلك لكثرة الشبهات و غلبة المشتبهات (يونق منظرها) لما في
ظاهرها من الحسن و البهجة و الرّدغ و النضرة الموجبة لاعجاب الناظرين إليها و
التذاذهم بها (و يوبق مخبرها) لما في باطنها من السمّ القاتل الباعث على و
بوق المتناولين لها و هلاك المفتتنين بها، و وقوعهم في الخزي العظيم و العذاب
الأليم.
و هى (غرور
حائل) لأنّها تغرّ الخلق و تخدعهم بزخرفها و زبرجها فيتوهّمون دوامها و
ثباتها ثمّ تنتقل عنهم و تتغيّر في زمان يسير و مدّة قليلة استعاره (و ضوء
آفل) استعار لفظ الضوء لما يظهر منها من الحسن في عيون الغافلين من قولهم
على فلان ضوء إذا كان حسن المنظر يعنى إنّها ذو حسن و ضياء إلّا أنّ حسنها قليل لا
يدوم و يغيب فلا يبقى (و ظلّ زائل) أى يستريح فيها أهلها و يستظلّون بها
إلّا أنّها في معرض الفناء و الزّوال (و سناد مائل) يستند إليها
الغافلون و يعتمدون عليها مع أنّها لاثبات لها و لاقرار.
(حتّى إذا
أنس نافرها و اطمئنّ ناكرها) أى إذا استأنس بها من كان باقتضاء عقله نافرا
عنها و سكن إليها من كان بمقتضى فطرته منكرا لها كنايه (قمصت بأرجلها) كالدّابة
القامصة الممتنعة عن ركوب الانسان المولّية عنه.
و قمصها
كناية عن امتناعها على الانسان حين حضور أجله كأنّها تدفعه برجليها مثل الدّابة
الموصوفة، و الاتيان بصيغة الجمع مع أنّ الدّابة لها رجلان من باب التغليب و
اعتبار اليدين و إنّما عبّر بالرّجل دون اليد لكون القمص إلى الرّجل أنسب.