الروافع) أى
أنّه تعالى اختاركم بنعمه التامة الكاملة وَ أَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً[1] و أعطاكم الصّلات الجليلة الرّفيعة العالية
(و أنذركم بالحجج البوالغ) لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ
عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[2] و لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[3]
مبالغة (فأحصاكم عددا و وظّف لكم مددا)
يعنى انّه أحصا عددكم و عيّن مدّة عمركم.
و إنّما أعاد
7 ذكر هذين الوصفين مع اغناء قوله: و وقّت لكم الآجال و أحاط بكم
الاحصاء عنه، للتّاكيد و المبالغة، لأنّ ذكر توقيت المدد و توظيف الآجال من أشدّ
الجواذب إلى التّقوى، و كذلك المعرفة باحاطة علمه بجزئيات النّفوس و عدم شذوذ شيء
منها عنه رادعة لها عن المهالك و المعاطب.
فان قيل: أىّ
نكتة في الاتيان بالتّمييز أعنى عددا بعد لفظ الاحصاء مع أنّه لا ابهام فيه و لا
خفاء بل هو مغن عنه؟
قلت: السّر
في ذلك كما في قوله تعالى: و أحصى كلّ شيء عددا، و هو بيان أنّ علمه تعالى
بالأشياء ليس على وجه اجماليّ بل على وجه تفصيلى، فانّ الاحصاء قد يراد به الاحاطة
الاجماليّة كما قال تعالى: و إن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها، أى لا تقدر و اعلى
حصرها إجمالا فضلا عن التّفصيل.
و ذلك لأنّ
أصل الاحصاء أنّ الحاسب إذ بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد كالعشرة و المأة و
الألف وضع حصاة ليحفظ بها كميّة ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه و قوله (في قرار
خبرة و دار عبرة) أراد به أنّه سبحانه عيّن لكم المدد في مقرّ البلاء و الاختيار و
دار الاتّعاظ و الاعتبار.
و هى الدّار
التي (أنتم مختبرون فيها) بما أعطاكم اللّه فيها لِيَمِيزَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ و المفسد من المصلح حتّى يزيد في إحسان
المحسن و يؤاخذ بعصيان المسيء