باديا من البدائة أى او من به ابتداء قبل
كلّ شيء أو منصوبان على الحالية من الضّمير في به فيكونان في المعنى و صفين للّه
سبحانه، و هذا هو الأظهر من حيث السياق لأنّ المنصوبات السّتة بعدهما من أوصاف
اللّه تعالى إلّا أنّ الأوّل أقرب من حيث المعنى فافهم و تأمل.
المعنى
اعلم أنّ هذه
الخطبة له 7 كما ذكره السّيد من الخطب العجيبة مشتملة على
نكات بديعة و مطالب أنيقة حسبما تعرف إليها الاشارة، و هذا الفصل منها مسوغ للثناء
على اللّه سبحانه باعتبار نعوت جلاله و صفات كماله.
فقوله (الحمد
للّه الّذي علا بحوله) إشارة إلى علوّه عزّ و جلّ على كلّ شيء لكن لا بالمعنى
المتعارف في الخلق من الفوقية الحسيّة و الخيالية بل العلوّ بالغلبة و القهر و
الاستعلاء بالقدرة و القوّة، و قوله (و دنا بطوله) إشارة إلى قربه من
كلّ شيء لكن لا بالمعنى المتعارف في الأجسام المتقارنة بل القرب بالفضل و السعة و
الدنوّ بالاحسان و العطية.
و قد قدّمنا
الكلام في علوّه سبحانه و دنوّه بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الخامس و السادس من
فصول الخطبة الاولى، و في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين أيضا، و لئن رجعت إلى ما
حقّقناه هناك عرفت أن علوّه سبحانه على الأشياء لا ينافي قربه منها، و أنّ قربه
بها لا ينافي بعده عنها، فهو تعالى في كمال علوّه على خلقه منهم قريب، و في منتهى
قربه إلى الخلق عنهم بعيد.
و هو سبحانه (مانح كلّ
غنيمة و فضل و كاشف كلّ) داهية (عظيمة و أزل) لأنّ كلّ نعمة
مبدئها وجوده، و كلّ عطية منشؤها كرمه وجوده، فهو منزل النّعم الجسام و منفس الكرب
العظام، و هو الصّارف لطارق البلاء و الدافع للبأساء و الضرّاء و هو مجيب المضطرّ
إذا دعاه و كاشف السوء عنه حين ناداه.