و في النبويّ قال رسول اللّه 6 إنّ اللّه جلّ جلاله أوحى إلى الدّنيا أن اتعبي من خدمك و اخدمي
من رفضك.
و في رواية
اخرى الزّاهد في الدّنيا يريح قلبه و بدنه، و الرّاغب فيها يتعب قلبه و بدنه.
التاسع و
العاشر ما أشار إليه بقوله (و من أبصر بها بصّرته و من أبصر إليها
أعمته) يعنى من جعلها آلة لابصاره و مرآتا للوصول إلى الغير يجعلها الدّنيا
صاحب بصيرة و من كان نظره و توجّهه إليها و همّته معطوفا عليها يجعلها الدّنيا
أعمى.
توضيح ذلك
أنّ النظر إلى الدّنيا يتصوّر على وجهين.
أحدهما أن
يكون المطلوب بالذّات من ذلك النّظر هو الدّنيا نفسها و لا شكّ أنّ الدنيا حينئذ
تكون شاغلة له عن ذكر اللّه صارفة عن سلوك سبيل الحقّ، فيكون ضالّا عن الصّراط
المستقيم ناكبا عن قصد الهدى، و هو المراد بكونه أعمى يعنى أنّ الدّنيا حينئذ تكون
موجبة لعماء عين قلبه عن إدراك المطالب الحقّة و عن الاهتداء إلى سلوك سبيل الآخرة
و لذلك خاطب اللّه سبحانه النبيّ 6 ظاهرا و أراد امّته باطنا
بقوله:
وَ لا
تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ.
و الثاني أن
يكون الغرض بالنظر إلى الدّنيا هو التبصّر بها و الاهتداء إلى المبدأ و المعاد إذ
ما من شيء فيها إلّا و هو من آثار الصنع و أدلّة القدرة و علامة العزّة و السّلطنة.
ففى كلّ شيء له آية
تدلّ على أنّه واحد
و
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فبالنّظر إلى الأنفس
و الآفاق يحصل البصيرة و الكمال، و يتمكن من المعرفة و الوصول إلى حضرت ذي الجلال
كما يهتدى إلى الآخرة و يرغب عن الدّنيا بالنّظر إلى الامم الماضية و القرون
الفانية و الملوك