الضمير في
قوله فاتته منصوب المحلّ بنزع الخافض أى فاتت منه، و الباء في قوله من أبصر بها
للاستعانة أعني الداخلة على آلة الفعل، و تعدية أبصر بالحرف في قوله و من أبصر
إليها مع كون الفعل في أصله متعدّيا بنفسه إمّا من أجل تضمينه معنى التّوجه و
الالتفات، أو من أجل تضمين معنى النظر و الأوّل أنسب و أقرب لزيادة ظهور الفرق
الذي أشار اليه السّيد بين الفعلين أعني الجملتين على ذلك، و ان كان الثّاني صحيحا
أيضا، و غايته و غوره إمّا بالرفع على النيابة عن الفاعل و إمّا بالنّصب على كون
الفعلين مبنيّا للمعلوم و فاعلهما الضّمير المستتر الرّاجع إلى المتأمل.
المعنى
اعلم أنّ هذا
الكلام له 7 مسوق للتنفير عن الدّنيا و الذمّ لها و قد
ذكر من أوصافها امورا عشرة.
الأوّل قوله (ما أصف
من دار أوّلها عناء) أى مشقّة و تعب و ذلك لأنّ مبدء نشور الانسان على ما حقّق
في الطب هو الماء الدافق يخرج من بين الصّلب و التّرائب، و ذلك الماء إذا وقع في
الرّحم اختلط بماء المرأة و دمها و غلظ ثمّ الرّيح يمخض ذلك الماء حتّى يتركه
كالرّائب الغليظ، ثمّ يقسمه في الأعضاء، فان كان ذكرا فوجهه قبل ظهر امّه، و إن
كان انثى فوجهها قبل بطن امّها و ذقنه على ركبتيه و يداه على جنبيه مقبض في
المشيمة كأنّه مصرور في صرّة و يتنفّس من متنفّس شاقّ و ليس منه عضو الّا كأنه
مقموط[1] فوقه حرّ
البطن و تحته ما تحته، و هو منوط بمعاء من سرّته إلى سرّة امّه و منها يمتصّ و
يعيش من طعام امّه و شرابها.
فهو بهذه
الحالة في الغمّ و الظلمات و الضيق حتّى إذا كان وقت ولادته سلط اللّه الرّيح على
بطن امّه و قوى عليه التحريك فتصوب رأسه قبل المخرج فيجد من ضيق المخرج و عصره ما
يجده صاحب الرّهق، فاذا وقع على الأرض فأصابته ريح أو مسّته
[1] هو من القماط و هي الخرقة العريضة التي يقمط أى يشدّ بها
الصبىّ، لغة.