و عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه
7 قال: قال أمير المؤمنين 7 إنّ علامة الرّاغب في ثواب
الآخرة زهده في عاجل زهرة الحياة الدّنيا، أما إنّ زهد الزّاهد في هذه الدّنيا لا
ينقصه ممّا قسم اللّه عزّ و جلّ له فيها و إن زهد، و إنّ حرص الحريص على عاجل زهرة
الدّنيا لا يزيده فيها و إن حرص، فالمغبون من حرّم حظّه من الآخرة.
الى غير ما
في هذا المعنى من الرّوايات، و قد عقد في الكافي با بالها و مضى شطر منها في شرح
الخطبة الثامنة و العشرين اذا عرفت ذلك فلنذكر اقسام الزّهد.
فأقول انّه ينقسم
على ما ذكره أبو حامد الغزالى في احياء العلوم، تارة بالنظر الى نفسه، و اخرى
بالنّظر الى المرغوب فيه، و ثالثة بالنّظر الى المرغوب عنه.
اما الاول
فهو انّه يتفاوت بحسب الشدّة و الضّعف و الكمال و النقصان على مراتب ثلاث.
المرتبة
الاولى و هى السّفلى أن يزهد في الدّنيا و هو لها راغب و القلب اليها مايل و نفسه
لها مشتهية و لكنّه يجاهدها و يكفّها و هذا يسمّى المتزّهد.
المرتبة
الثّانية ترك الدّنيا طوعا لاستحقاره إيّاها بالاضافة إلى ما طمع فيه كالذي يترك
درهما لأجل درهمين فانّه لا يشقّ عليه ذلك و إن كان يحتاج إلى انتظار قليل و لكن
هذا الزّاهد لا محالة يرى زهده و يلتفت إليه، و يكون معجبا بنفسه و يزهده و يظن في
نفسه أنّه ترك شيئا له قدر لما هو أعظم قدرا منه.
المرتبة
الثالثة و هي العليا الزّهد طوعا و الزّهد في الزهد بأن لا يرى زهده إذ لا يرى
أنّه ترك شيئا لمعرفته بأنّ الدنيا لا شيء كمن ترك قذرة و أخذ جوهرة فلا يرى ذلك
معاوضة و لا يرى نفسه تاركا شيئا إذا لدنيا بالنّسبة الى الآخرة أخسّ من قذرة
بالنّسبة إلى الجوهرة فهذا هو الكمال في الزّهد و سببه كمال المعرفة.
و اما الثاني
فهو أنّه ينقسم بالنّسبة إلى المرغوب فيه أيضا على ثلاث مراتب.
المرتبة
الاولى أن يكون المرغوب فيه النّجاة من النّار و من ساير الآلام