الترّوي في الامر و ايقاع الرأى فيه من
جدّ و اجتهاد و (العالم)
الذي يعلم وجه المصلحة في الامور و يكون فيها على بصيرة و
(المجرّب) الذي حصلت له التّجارب فكان رأيه و قوله أغلب
الاصابة للواقع (تورث الحسرة و تعقب النّدامة).
إذا المشير
الموصوف بالصفات الاربع المذكورة يكون رأيه أغلب المطابقة مع الواقع فاطاعة
المستشير له موجبة لظفره على المقصود و وصوله إلى مطلوبه و مخالفته مفوّتة للغرض
معقّبة للحسرة خصوصا إذا كان المشير مثله 7 المتّصف بالعلم اللدنى
المطابق رأيه للواقع دائما يكون معصية معقّبة للنّدامة ألبتّة و موقعة في الضّلالة
لا محالة.
و لذلك أردف
7 كلامه بالاشارة إلى خطائهم في أمر الحكومة النّاشي من مخالفتهم له و
إبائهم عن امتثال أمره فقال: (و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة امرى) الصّواب (و نخلت
لكم مخزون رأيي) المصاب (لو كان يطاع لقصير أمر) لما حصلت الحسرة و
النّدامة و قصير هذا هو قصير بن سعد مولى جزيمة الابرش من ملوك العرب.
روى انّ
جزيمة قتل أبا الزّباء ملكة الجزيرة، فبعث إليه عن حين ليتزوّج بها خدعة و سألته
القدوم عليها فأجابها إلى ذلك و خرج فى ألف فارس و خلف باقي جنوده مع ابن اخته
عمرو بن عدي، و أشار قصير الى جزيمة أن لا يتوجه إليها فلم يقبل رأيه فلما قرب
جزيمة من الجزيرة استقبله جنود الزباء بالعدة و لم ير منهم إكراما له فأشار قصير
إليه بالرّجوع عنها و قال إنّها امرأة و من شان النسّاء الغدر فلم يقبل فلما دخل
عليها غدرت به و قتلته فعند ذلك قال قصير: لا يطاع لقصير أمر فيضرب به المثل لكلّ
ناصح عصي و هو مصيب في رأيه.
(فأبيتم
علىّ اباء المخالفين الجفاة و المنابذين العصاة حتّى ارتاب الناصح بنصحه) هذا محمول
على المبالغة لما ذكرنا من أنّه 7 متّصف بالعلم اللدنّي فلا يمكن شكه
فيما رآه صوابا، و يشهد بذلك قوله 7 في الخطبة الرابعة ما شككت في
الحقّ مذ رأيته، و قوله 7 في الخطبة العاشرة: و إنّ معي لبصيرتي ما
لبّست على نفسي