صفوا فلم يبق منها إلّا سملة كسملة
الادواة و جرعة كجرعة الاناء و لو يتمزّزها الصّديان لم تنقع غلبة بها.
فازمعوا عباد
اللّه بالرّحيل من هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال، الممنوع أهلها من الحياة
المذللة أنفسهم بالموت، فلا حىّ يطمع بالبقاء و لا نفس إلّا مذعنة بالمنون، فلا
يغلبنّكم الأمل، و لا يطل عليكم الأمد، و لا تغترّوا فيها بالآمال، و تعبّدوا للّه
أيّام الحياة.
فو اللّه لو
حننتم حنين الواله العجلان، و دعوتم بمثل دعاء الأنام، و جأرتم جؤار متبتّلي
الرّهبان، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع
درجة عنده، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه و حفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم
من ثوابه و أتخوّف عليكم من أليم عقابه.
و باللّه لو
انماثت قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم
في الدّنيا ما كانت الدّنيا باقية ما جزت أعمالكم و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم
لنعمه العظام عليكم، و هداه إيّاكم إلى الايمان ما كنتم لتستحقّوا أبد الدّهر ما
الدّهر قائم بأعمالكم جنّته و لا رحمته و لكن برحمته ترحمون، و بهداه تهتدون، و
بهما إلى جنّته تصيرون، جعلنا اللّه و إيّاكم برحمته من التّائبين العابدين.
و إنّ هذا
يوم حرمته عظيمة و بركته مأمولة، و المغفرة فيه مرجوّة، فأكثروا ذكر اللّه و
استغفروه و توبوا إليه إنّه هو التّواب الرّحيم، و من ضحّى منكم بجذع من المعز
فانّه لا يجزى عنه، و الجذع من الضّأن يجزي، و من تمام الاضحية استشراف عينها و
اذنها، و إذا سلمت العين و الاذن تمّت الاضحية، و إن كانت عضباء القرن أو تجرّ
برجلها إلى المنسك فلا تجزي.
و إذا ضحيتم
فكلوا و أطعموا و اهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام و أقيموا
الصّلاة، و آتوا الزكاة، و أحسنوا العبادة، و أقيموا الشّهادة، و ارغبوا فيما كتب
عليكم و فرض الجهاد و الحجّ و الصّيام، فانّ ثواب ذلك عظيم لا ينفذ، و تركه و بال
لا يبيد، و أمروا بالمعروف، و انهوا عن المنكر، و اخيفوا