و أعظكم بالموعظة البالغة فتفرقون عنها،
كأنكم حمر مستنفرة فرّت من قسورة، و أحثكم على جهاد أهل الجور، فما اتى علىّ آخر
قولي حتى اراكم متفرّقين أيادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم، تتربعون حلقا، تضربون
الأمثال، و تنشدون الأشعار، و تجسّسون الأخبار.
حتّى إذا
تفرّقتم تسئلون عن الأشعار جهلة من غير علم، و غفلة من غير ورع و تتبّعا من غير
خوف، و نسيتم الحرب و الاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها
بالأعاليل و الأضاليل، فالعجب كلّ العجب و كيف لا اعجب من اجتماع قوم على باطلهم و
تخاذلكم عن حقّكم.
يا اهل
الكوفة أنتم كامّ مجالد حملت فاملصت[1] فمات
قيّمها، و طال ايّمها، و ورثها ابعدها و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة إنّ من
ورائكم الأعور الأدبر جهنّم الدّنيا لا تبقى و لا تذر، و من بعده النهّاس[2] الفراس الجموع المنوع.
ثمّ
ليتوارثنكم من بني اميّة عدّة ما لآخر بأرأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا[3]، بلاء قضاه اللّه على هذه الامة لا
محالة كاين، يقتلون أخياركم، و يستعبدون أراذلكم، و يستخرجون كنوزكم و ذخايركم من
جوف حجالكم نقمة بما ضيّعتم من اموركم، و صلاح انفسكم و دينكم.
يا اهل
الكوفة اخبركم بما يكون قبل ان يكون لتكونوا منه على حذر، و لتنذروا به من اتّعظ و
اعتبر، كأنّى بكم تقولون: إنّ عليّا يكذب كما قالت قريش لنبيّها و سيّدها نبيّ
الرّحمة محمّد بن عبد اللّه حبيب اللّه.
فيا ويلكم
فعلى من اكذب؟ أعلى اللّه فأنا أوّل من عبد اللّه و وحّده، أم على
[2] النهاس اللحم اخذه بمقدم الاسنان و نهس الحية لسعها و فرس
الاسد فريسته دق عنقها و المراد بالنهاس الفراس، اما هشام بن عبد الملك لاشتهاره
بالبخل او سليمان بن عبد الملك فانه الذى قنيت له الخلافة بعد وفات الحجاج بقليل
بحار.