قيل: ليس الأمر كذلك بل هذا تصريح بمذهب
أصحابنا من البغداديّين لأنّهم يزعمون أنّه الأفضل و الأحقّ بالامامة و أنّه لو لا
ما يعلمه اللّه و رسوله من الأصلح للمكلّفين من تقديم المفضول عليه لكان من تقدّم
عليه هالكا، فرسول اللّه 6 أعلمه أنّ الامامة حقه و
أنّه أولى بها من النّاس أجمعين و أعلمه أنّ في تقديم غيره و صبره على التأخّر
عنها مصلحة للدّين راجعة إلى المكلّفين، و أنّه يجب عليه أن يمسك عن طلبها و يغضي
عنها لمن هو دون مرتبته، فامتثل أمر رسول اللّه 6 و لم يحرجه
تقدّم من تقدّم عليه من كونه الأفضل و الأولى و الأحقّ.
ثمّ قال: و
قد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي بهذا و صرّح به تلامذته و قالوا:
لو نازع عقيب
وفات رسول اللّه 6 و سلّ سيفه لحكمنا بهلاك كلّ من
خالفه و تقدّم عليه كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، و لكنّه مالك الأمر و
صاحب الخلافة إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، و إذا أمسك عنها وجب
علينا القول بعدالة من اغضى له عليها و حكمه في ذلك حكم رسول اللّه 6 لأنّه قد ثبت عنه في الأخبار الصّحيحة أنّه قال عليّ مع الحقّ و الحقّ
مع علىّ يدور حيثما دار، و قال 6 له غيره مرّة: حربك حربي و
سلمك سلمي و هذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي و به أقول انتهى كلامه.
أقول: ما
ذكره هنا ملخّص ما ذكره في شرح الخطبة الشّقشقيّة و قد نقلنا كلامه في المقدّمة
الثّانية من مقدّمات تلك الخطبة، و ذكرنا هنالك ما يتوجّه عليه من وجوه الكلام و
ضروب الملام.
و نقول ههنا
مضافا إلى ما سبق هناك: أن تقدّم غيره عليه إمّا أن يكون بفعل اللّه سبحانه و فعل
رسوله، و إمّا أن لا يكون بفعلهما بل تقدّم الغير بنفسه لاعتقاده أنّه أحقّ بها
منه 7، أو قدّمه من ساير الصّحابة و المكلّفين إمّا بهوى أنفسهم أو
رعاية المصلحة العامّة.
أمّا الأوّل
ففيه أولا أنّهم لا يقولون به، لاتّفاقهم على عدم النّصّ من اللّه