و اتّخذتم للّه الأنداد و الشّركاء (و في شرّ دار) أراد بها تهامة أو نجد أو
البوادي التي كانوا يسكنونها، ثمّ فتح اللّه عليهم البلاد.
و وصفها
بالشّرّ من حيث فساد أمر معاشهم فيها كما فسّره بقوله: (منيخون) أي مقيمون (بين
حجارة خشن) صلب لا نداوة فيها و لا نبات (و حيّات صمّ) لأنّ أرض العرب
على غلظتها و خشونتها ذات حيّات كثيرة، و على التّركيب الوصفي فالمراد بها الحيّات
التي لا تقبل العوذة و لا تنزجر بالصّوت لشدّة قوّتها.
قال
البحراني: و وصفها بالصمّ لأنّ حيّات تلك الأرض على غاية من القوّة و حدّة السّموم
لاستيلاء الحرارة و اليبس عليها.
مجاز و قال
الشّارح المعتزلي: و يجوز أن يعنى به [و حيّات صمّ] المجاز و هو الأحسن
يقال للاعداء حيّات، و الحيّة الصّماء أدهى من التي ليست بصمّاء لأنّها لا تنزجر
بالصّوت و يقال للعدوّ أيضا إنّه لحجر خشن المسّ إذا كان ألدّ الخصام (تشربون
الكدر) لأنّ غالب مياه العرب هو الغدران و الآبار أمّا الغدران فأصلها ماء
المطر ينزل على الأودية السّبخة و القفار الملحة فيسيل حتّى يقع في تلك الغدران
فيكون مرّا ملحا اجاجا ثمّ يتكدّر و يتعفّن من طول الزّمان و وقوع الشّمس عليها و
تأثّره بها و أمّا الآبار فمضافا إلى وقوع ماء المطر الموصوف فيها ربّما تنزل
العشاير حولها و ينيخون أباعرهم هنالك فيثور الرّياح البار «أبوال ظ» الأباعر و
أرواثها و ساير كثافات القوم بعد ارتحالهم من ذلك المكان حتّى تقع على تلك الآبار
فيكون مياهها كثيفا كدرا.
و ربما
امسكنا عن شرب الماء و صبرنا على العطش يوما أو يومين في مسافرتنا إلى مكّة زادها
اللّه شرفا لما شاهدناه من كثافة تلك المياه بما يتنفّر عنه الطبع مع كون سفرنا في
أيّام الشّتاء و ربّما كنّا نشرب عوض الماء السّكنجبين و ساير الأشربة التي كانت
معنا (و تأكلون الجشب) فانّك تجد عامّتهم يأكل ما ذبّ من حيوان، و
بعضهم يخلط الشّعير بنوى التّمر و يطحنها و يتّخذ منها خبزا