السّادس أنّه كنايه (بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر) يعني أنّه أسرع و بادر في كلّ صباح، و هو كناية من شدة اهتمامه و
طلبه في كلّ يوم أو في أوّل العمر إلى جمع شيء فاستكثر منه ما قليله خير من
كثيره، أو قلّته خير من كثرته، و المراد بذلك الشيء إمّا زهرات[1]
الدّنيا و أسبابها، و يؤيّده مناسبته لما قبله يعني أنّه لم يطلب العلم و لكن طلب
أسباب الدّنيا التي قليلها خير من كثيرها، هذا إن كان جمعها على وجه الحلال و إلّا
فلا خير فيه أصلا، و إمّا الشبهات المضلّة و الآراء الفاسدة و العقائد الباطلة و
يؤيّده زيادة ارتباط ذلك بما بعده، و على التّقديرين فيه تنبيه على غاية بعده عن
الحقّ و العلم لرسوخ الباطل في طبعه و ثبوته في ذهنه.
السّابع ما
يترتّب على بكوره و استكثاره من جمع الشّبهات، و هو ما أشار إليه بقوله: استعاره
مرشحه (حتّى إذا ارتوى من آجن) يعني حصل له الامتلاء من شرب الماء
الآجن المتعفّن (و اكتنز) أى اجتمع له العلوم الباطلة (من غير
طائل) و لا فائدة يتصوّر فيها (جلس بين النّاس قاضيا) استعار
الآجن للشّبهات الفاسدة و الأفكار الباطلة و العلوم الحاصلة له من الاستحسانات و
الاقيسة، كما يستعار عن العلوم الحقيقية و المعارف اليقينية بالماء الصّافي
الزّلال، ثمّ و شح تلك الاستعارة بذكر الارتواء و جعل غايته المشار إليها من ذلك
الاستكثار جلوسه بين النّاس قاضيا.
الثّامن
كونه (ضامنا لتخليص ما التبس على غيره) لوثوقه من نفسه بفصل
ما بين النّاس من الخصومات و المرافعات و ظنّه القابليّة لقطع المنازعات، و منشأ
ذلك الوثوق و الاطمينان هو زعمه أن العلوم الحاصلة له من آرائه الفاسدة و أقيسته
الباطلة علوم كاملة كافية في تخليص الملتبسات و تخليص المشكلات مع أنّها ليست بذلك.
التّاسع ما
أشار إليه بقوله: (فان نزلت به إحدى المبهمات هيّألها حشوا