استعاره
بالكنايه (أيّها النّاس شقّوا أمواج الفتن بسفن النّجاة) شبّه الفتن
بالبحر المتلاطم في كون كلّ منهما سبب هلاك الخائضين فيها، و قرن ذلك بالأمواج
التي هي من لوازم البحر و كنّى بها عن هيجان الفتنة و ثورانها، و أتبعها بذكر
سفينة النّجاة التي هى من ملايمات البحر، و لمّا كانت السّفن الحقيقة تنجي من
أمواج البحر استعارها لكل ما يحصل به الخلاص من الفتن و وجه المشابهة كون كل منهما
وسيلة إلى السّلامة (و عرّجوا) أى انحرفوا و اعدلوا (عن طريق
المنافرة) إلى المتاركة و المسالمة استعاره (و ضعوا تيجان
المفاخرة) لما كان التّاج ممّا يعظم به قدر الانسان و هو أعظم ما يفتخر به
استعاره لما كانوا يتعظمون به و يفتخرون و أمرهم بوضعه مريدا بذلك ترك التّفاخر الموجب
لانبعاث الفتنة و هيجان العصبيّة، و لمّا أمر 7 بالعدول عن النّفار و
الافتخار أشار إلى ما ينبغي أن يكون الانسان عليه في تلك الحالة التي هاجت فيها
الفتن و عظمت فيها المحن بقوله: (أفلح من نهض بجناح أو استسلم فاراح) يعني أن
الفلاح في تلك الحال بأحد الأمرين.
أحدهما
النّهوص إلى الأمر و مطالبة الحقّ بوجود النّاصر و المعين اللذين هما بمنزلة
الجناح للطير في كونها واسطة الظفر بالمطلوب و الفوز بالمقصود.
و ثانيهما
التسليم و الانقياد و التّرك و السّلامة لمن لم يكن له جناح النجاح فيستسلم و
ينقاد فيريح نفسه من تعب الطلب.
ثمّ تشبيه
أشار 7 إلى أنّ ما كانوا يدعون إليه و يحملونه عليه (ماء آجن) يتغيّر
اللون و الطعم (و لقمة يغص بها) أى بأكلها (آكلها) أى ينشب في
حلق آكلها و يكون غاصّا لا يمكنه إساغتها، و تشبيه الخلافة في تلك الحالة بهما
إشارة إلى نفرة النّفس عنها و عدم التذاذها بها مع وجود المنافسة التي كانت فيها،
فهي في تلك الحال كانت لقمة منغصة و جرعة لا يسيغها شاربها و قد ذكر شارحو كلامه
في هذا المقام وجوها أخر و ما ذكرناه أظهر، ثمّ إنّ هذا كله على جعل ماء آجن خبرا
لمبتدأ محذوف على ما اشرنا إليه و أمّا على تقدير جعله مبتدأ حذف خبره مطابقا