و قال قوم: إنّه ليس باشارة إلى أخ
معيّن، و لكنّه كلام خارج مخرج المثل، و عادة العرب جارية بمثل ذلك مثل قولهم في
الشعر: فقلت لصاحبي و يا صاحبي، و هذا عندي أقوى الوجوه.
أقول: على ما
جعله هذا الشارح وجيها يكون 7 في هذا الكلام مبتكرا لفنّ هام في الأدب
العربي، و هو فنّ إنشاء المقامات و هو أشبه بما شاع في هذه العصور الأخيرة بفنّ
رومانتيك أو الروايات التمثيليّة في الأدب العربي و مبناه على إنشاء قصّة و إبداع
رواية تتضمّن تصوير هدف تعليمى أو انتقادي في أفكار القرّاء.
و قد شاع و
نضج إنشاء المقامات في القرن الرابع الهجري، و مهر فيه الاستاذ الشهير بديع
الزّمان من أهالي همدان و خريجى مكاتب و جامعات خراسان في ذلك الزمان، فحكى عنه
أنّه ارتجل أربعمائة مقامة بقى منها خمسون مقامة طبعت و نشرت.
ثمّ برع بعده
في هذا الفنّ الاستاذ الحريرى أبو محمّد القاسم بن عليّ بن محمّد بن عثمان الحريري
البصرى الحرامي.
فكان 7 استاذ هذا الفنّ من الأدب العربي كسائر فنونه من النحو و البلاغة و كان
هدفه في مقامته هذا توصيف الأخ المؤمن الّذي ينبغي التّاخى معه في سبيل اللَّه
فعدّ له أربع عشرة صفة:
1- صغر
الدّنيا بعينه و عدم توجّهه إليها في المال و الجاه و غيرهما.
2- عدم
توجّهه إلى لذّة المأكل و المشرب و عدم تسلّط الشهوة عليه.
3- اجتنابه
عن كثرة الكلام، و لزومه الصمت في أكثر الأيّام.
4- لا يتكلّم
إلّا بما هو الحقّ و النافع للخلق، فيغلب على الناطقين، و يشفى غليل السامعين.
5- يمشى على
الأرض هونا كما وصف اللَّه به عباده، فيكون ضعيفا في الظاهر و مستضعفا.