ابن الرّيان صاحب شرطة الوليد، فقال له:
ما دعاك إلى ما كلّمت به أمير المؤمنين؟ لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى
يأمرني بضرب عنقك، قال:
أو كنت فاعلا
لو أمرك؟ قال: نعم، فلمّا استخلف عمر جاء خالد بن الرّيان فوقف على رأسه متقلّدا
سيفه، فنظر إليه و قال: يا خالد ضع سيفك، فانّك مطيعنا في كلّ أمر نأمرك به، و كان
بين يديه كاتب كان للوليد، فقال له: ضع أنت قلمك فانّك كنت تضرّ به و تنفع، اللهمّ
إنّي قد وضعتهما فلا ترفعهما، قال: فواللّه ما زالا وضيعين مهينين حتّى ماتا.
أقول: عمر بن
عبد العزيز لمّا تصدّى للخلافة يعلم أنّ مظالم بني أميّة شاعت في الأقطار
الاسلاميّة و تلاطمت فكاد عرش الخلافة يسقط فدبّر أحسن تدبير لتعليل تلك المظالم و
قطع أيادى المولعين بها بكلّ وجه ممكن، و من أهمّ ما نفّذه إسقاط سبّ أهل البيت من
الخطب و ردّ فدك إلى بني فاطمة كما ذكرناه في مقامه و لم يأل جهدا في إصلاح
الاجتماع و لكن لم يتركوه على سرير الخلافة إلّا ممّا يقرب ثلاث سنين.
ثمّ أمره
7 بالتقرّب بأهل الورع و الصّدق و تركهم على حالهم
حرّا لئلّا ينحرفوا عن طريق الورع و الصدق فيطروه بالثناء و
يمدحوه بما لا يستحقّ فانّ الإطراء يفسدهم و يؤثر في الوالي فيكسبه زهوا
و غرورا فيفسد هو أيضا.
ثمّ أمره
برعاية العدالة و الحقّ بينهم و ليس معناه أن ينظر إلى جميعهم بنظرة واحدة و يكون المحسن و
المسىء سواء فانّه يوجب تزهيد أهل الاحسان في الاحسان و تدريب أهل
الإسائة بالإسائة.
ثمّ نبّهه
على أنّ ألزم ما يكون يتوجّه إليه الوالى جلب حسن ظنّ
الرعيّة و جلب عطفه و أدعى شيء إلى ذلك أمران:
1- الاحسان بالرعايا
ببذل ما يحتاجون من المئونة و الحوائج.
2- تخفيف ما يطلب
منهم من الخراج و المئونات و ترك استكراههم على ما ليس في عهدتهم لجلب حسن ظنّهم و
اعتمادهم على الوالي فحسن الظنّ بالوالي إذا عمّ الرعايا يسهّل الأمر عليه في
إرادتهم و لا يحتاج إلى بثّ العيون و المحافظين