مع المسلمين و لكن مقوقس لم ينكث عهده و
لحق القبط بالمسلمين، و لمّا استقرّ المسلمون في مصر صلحا أو عنوة على قول بعضهم و
فتحوا الاسكندريّة و دخلها عمرو ابن العاص فتن بها و أراد الإقامة فيها كمركز
لجيوش الإسلام، فاستجاز من عمر في ضمن مكتوب أفصح فيه عن فتوحاته فأجابه بما يلي:
لا تجعلوا
بيني و بينكم ماء حتّى إذا ما أردت أركب اليكم راحلتي حتّى أقدم عليكم قدمت.
فلمّا قرأ
مكتوب عمر رحل من اسكندريّة إلى الفسطاط فسكنها و جعلها معسكر المسلمين فتنازع
الجيش في مسكنهم حول فسطاط فأمر عمرو أربعة من امراء الجيش فخطّوا لهم و عينوا
حدود مساكنهم، و قد اشترك من أصحاب رسول اللّه 6 في حرب مصر
أربعة عشر من المهاجرين يرأسهم زبير بن العوّام، و ستة عشر من الأنصار يرأسهم
عبادة بن صامت الأنصاري.
و لمّا ثمّ
فتح مصر صار عمرو بن عاص واليا عليها و هو أوّل من صار واليا على مصر من المسلمين
و هو قرشيّ من سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لويّ، و كان يسافر إلى مصر تاجرا في
أيّام الجاهليّة، و فتح مصر أيّام عمر يوم الجمعة غرّة محرّم سنة العشرين من
الهجرة، و بقى فيها واليا أربع سنين و شهورا، زار عمر خلالها مرّتين.
كان في
إسكندريّة مصر رجل يسمّى يحيى النّحوي من أساقفة إسكندريّة فهداه اللّه إلى
الإسلام فكبر على الأساقفة فاجتمعوا حوله و ناظروه فأجابهم و دام على إسلامه،
فلمّا فتح عمرو بن العاص المصر دخل عليه فاستقبله باكرام لما سمع من فضله و
مجاوبته للنّصارى في إثبات حقانيّة الإسلام و اتّخذه نديما له يكتسب من فضله و
حكمته.
فقال يوما
لعمرو: قد حزت ما في الإسكندريّة من الأموال و الخزائن و لا كلام لأحد معك في ذلك
لكن هنا شيء لا يفيدكم و نحتاج إليه فاعف عنه و دعه لنا، فقال عمرو: ما هو؟ قال:
كتب الحكمة الّتي جمعها ملوك إسكندريّة طيلة