قرون خاصّة يوناطيس الّذي يدعوه أهل
أروپا فيلاد لفس و كان محبّا للحكمة، فأمر رجلا يسمّى زهيرة بجمع الكتب و نصبه
ضابطا لمكتبته، فاشترى الكتب من التجار بأثمان غالية حتّى اجتمع في مكتبته أكثر من
أربعة و خمسين ألف كتابا، و قلّده ملوك البطالسة في جمع الكتب إلى ما خرج عن
الاحصاء.
فعجب عمرو بن
العاص من كلامه، و قال: لا بدّ من أن أكتب ذلك لعمر بن الخطّاب و آخذ منه الجواب
فكتب إليه، فأجابه: إن كان ما في هذه الكتب ما يوافق كتاب اللّه لا حاجة لنا بها و
إن كان مخالفا له لا نرتضيها فأعدمها و امح أثرها فقسّمها عمرو على حمّامات
إسكندريّة ليصرفوها فيها بدلا من الوقود فأوقدوها خلال ستّة أشهر حتّى أفنوها.
و قد استنكر
بعض المورّخين الجدد من أهل مصر صدور الأمر من عمر باحراق كتب مكتبة إسكندريّة لما
صدر في الإسلام من الأمر بالفحص و البحث عن الحقائق و تحصيل العلم و لو بالصّين.
أقول: و قد
عرفت ممّا ذكرنا من ملخّص تاريخ فتح مصر بيد المسلمين أنّه لم يحكم في مصر إلى
أيّام أمير المؤمنين 7 و إلى حين صدور هذا العهد التاريخي للأشتر
النخعي إلّا عمرو بن العاص و عبد اللّه بن سرح بن أبي سرح الّذي ولّاه عثمان على
مصر بعد عزل فاتحه عمرو بن العاص فثار عليه الرّومان، فاستعان عثمان بعمرو فسار
إلى مصر و أخمد ثورة الرّومان و أخرجهم من مصر و لكن لم يرض عثمان بعزل عبد اللّه
فاشتركا في إدارة امور مصر و تنازعا و رجّح عثمان عبد اللّه بن سرح عليه فرجع إلى
المدينة ناقما على عثمان معينا لأعدائه و محرّضا للقيام عليه حتّى قتل و هما
واليان على مصر.
و لا يصدق
على حكومتهما باعتبار أنهما عاملان للخليفة لفظ الدّولة و لا يمتازان بالعدل و
الجور بل كلاهما من نسيج واحد و من أهل النفاق و من أعداء أهل البيت و المخالفين
لولاية أمير المؤمنين 7 و من الحكّام الجائرين فانّ عمرو ابن العاص
توجّه في مصر إلى جمع المال و الادّخاد حتّى بلغ ثروته إلى حيث